جرت بين رسول الله ( ﷺ ) وبينهم في أن يكونوا على السمع والطاعة في المحبوب والمكروه مثل مبايعته مع الأنصار في أول الأمر ومبايعته عامة المؤمنين تحت الشجرة وغيرهما ثم إنه تعالى أضاف الميثاق الصادر عن الرسول إلى نفسه كما قال إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ ( الفتح ١٠ ) وقال مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ( النساء ٨٠ ) ثم إنه تعالى أكد ذلك بأن ذكرهم أنهم التزموا ذلك وقبلوا تلك التكاليف وقالوا سمعنا وأطعنا ثم حذرهم من نقض تلك العهود والمواثيق فقال وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ يعني لا تنقضوا تلك العهود ولا تعزموا بقلوبكم على نقضها فإنه إن خطر ذلك ببالكم فالله يعلم بذلك وكفى به مجازياً والثاني قال ابن عباس رضي الله عنهما هو الميثاق الذي أخذه الله تعالى على بني إسرائيل حين قالوا آمنا بالتوراة وبكل ما فيها فلما كان من جملة ما في التوراة البشارة بمقدم محمد ( ﷺ ) لزمهم الإقرار بمحمد عليه الصلاة والسلام والثالث قال مجاهد والكلبي ومقاتل هو الميثاق الذي أخذه الله تعالى منهم حين أخرجهم من ظهر آدم عليه السلام وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم
فإن قيل على هذا القول أن بني آدم لا يذكرون هذا العهد والميثاق فكيف يؤمرون بحفظه
قلنا لما أخبر الله تعالى بأنه كان ذلك حاصلاً حصل القطع بحصوله وحينئذ يحسن أن يأمرهم بالوفاء بذلك العهد الرابع قال السيد المراد بالميثاق الدلائل العقلية والشرعية التي نصبها الله تعالى على التوحيد والشرائع وهو اختيار أكثر المتكلمين
يَاأَيُّهَآ الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
قوله تعالى الصُّدُورِ يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ هذا أيضاً متصل بما قبله والمراد حثهم على الانقياد لتكاليف الله تعالى
واعلم أن التكاليف وإن كثرت إلاّ أنها محصورة في نوعين التعظيم لأمر الله تعالى والشفقة على خلق الله فقوله كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ إشارة إلى النوع الأولل وهو التعظيم لأمر الله ومعنى القيام لله هو أن يقوم لله بالحق في كل ما يلزمه القيام به من إظهار العبودية وتعظيم الربوبية وقوله شُهَدَاء بِالْقِسْطِ إشارة إلى الشفقة على خلق الله وفيه قولان الأول قال عطاء يقول لا تحاب في شهادتك أهل ودك وقرابتك ولا تمنع شهادتك أعداءك وأضدادك الثاني قال الزجاج المعنى تبينون عن دين الله لأن الشاهد يبين ما يشهد عليه
ثم قال تعالى وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ أي لا يحملنكم بغض قوم على أن لا تعدلوا وأراد أن لا تعدلوا فيهم لكنه حذف للعلم وفي الآية قولان الأول أنها عامة والمعنى لا يحملنكم بغض قوم على أن تجوروا عليهم وتجاوزوا الحد فيهم بل اعدلوا فيهم وإن أساءوا إليكم وأحسنوا إليهم