أما قوله تعالى ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ
فأعلم أن العدل هو التسوية يقول عدل الشيء بالشيء إذا سواه به ومعنى يَعْدِلُونَ يشركون به غيره
فإن قيل على أي شيء عطف قوله ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ
قلنا يحتمل أن يكون معطوفاً على قوله الْحَمْدُ للَّهِ على معنى أن الله حقيق بالحمد على كل ما خلق لأنه ما خلقه إلا نعمة ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ فيكفرون بنعمته ويحتمل أن يكون معطوفاف على قوله خُلِقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ على معنى أن خلق هذه الأشياء العظيمة التي لا يقدر عليها أحد سواه ثم إنهم يعدلون به جماداً لا يقدر على شيء أصلاً
فإن قيل فما معنى ثم
قلنا الفائدة فيه استبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته والله أعلم
هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ
اعلم أن هذا الكلام يحتمل أن يكون المراد منه ذكر دليل آخر من دلائل إثبات الصانع تعالى ويحتمل أن لا يكون المراد منه ذكر الدليل على صحة المعاد وصحة الحشر
أما الوجه الأول فتقريره أن الله تعالى لما استدل بخلقه السموات والأرض وتعاقب الظلمات والنور على وجود الصانع الحكيم أتبعه بالاتسدلال بخلقه الإنسان على إثبات هذا المطلوب فقال هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن طِينٍ والمشهور أن المراد منه أنه تعالى خلقهم من آدم وآدم كان مخلوقاً من طين فهلذا السبب قال هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن طِينٍ وعندي فيه وجه آخر وهو أن الإنسان مخلوق من المني ومن دم الطمث وهما يتوالدان من الدم والدم إنما يتولد من الأغذية والأغذية إما يحوانية وإمانباتية فإن كانت حيوانية كان الحال في كيفية تولد ذلك الحيوان كالحال في كيفية تولد الإنسان فبقي أن تكون نباتية فثبت أن الإنسان مخلوق من الأغذية النباتية ولا شك أنها متولدة من الطين فثبت أن كل إنسان متولد من الطين وهذا الوجه عندي أقرب إلى الصواب
إذا عرفت هذا فنقول هنا الطين قد تولدت النطفة منه بهذا الطريق المذكور ثم تولد من النطفة أنواع الأعضاء المختلفة في الصفة والصورة واللون والشكل مثل القلب والدماغ والكبد وأنواع الأعضاء البسيطة كالعظام والغضاريف والرباطات والأوتار وغيرها وتولد الصفات المختلفة في المادة المتشابهة لا يمكن إلا بتقدير مقدر حكيم ومدبر رحيم وذلك هو المطلوب


الصفحة التالية
Icon