يكون من نعت السحاب ويجوز أن يكون من نعت المطر يقال سحاب مدرار إذا تتابع أمطاره ومفعال يجيء في نعت يراد المبالغة فيه قال مقاتل مُّدْرَاراً متتابعاً مرة بعد أخرى ويستوي في المدرار المذكر والمؤنث
والصفة الثالثة قوله وَجَعَلْنَا الاْنْهَارَ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمْ والمراد منه كثرة البساتين
واعلم أن المقصود من هذه الأوصاف أنهم وجدوا من منافع الدنيا أكثر مما وجده أهل مكة ثم بيّن تعالى أنهم مع مزيد العز في الدنيا بهذه الوجوه ومع كثرة العدد والبسطة في المال والجسم جرى عليهم عند الكفر ما سمعتم وهذا المعنى يوجب الاعتبار والانتباه من نوم الغفلة ورقدة الجهالة بقي هاهنا سؤالات
السؤال الأول ليس في هذا الكرم إلا أنهم هلكوا إلا أن هذا الهلاك غير مختص بهم بل الأنبياء والمؤمنون كلهم أيضاً قد هلكوا فكيف يحسن إيراد هذا الكلام في معرض الزجر عن الكفر مع أنه مشترك فيه بين الكافر وبين غيره
والجواب ليس المقصود مننه الزجر بمجرد الموت والهلاك بل المقصود أنهم باعوا الدين بالدنيا ففاتهم وبقوا في العذاب الشديد بسبب الحرمان عن الدين وهذا المعنى غير مشترك فيه بين الكافر والمؤمن
السؤال الثاني كيف قال أَلَمْ يَرَوْاْ مع أن القوم ما كانوا مقرين بصدق محمد عليه السلام فيما يخبر عنه وهم أيضاً ما شاهدوا وقائع الأمم السالفة
والجواب أن أقاصيص المتقدمين مشهورة بين الخلق فيبعد أن يقال إنهم ما سمعوا هذه الحكايات ولمجرد سماعها يكفي في الاعتبار
والسؤال الثالث ما الفائدة في ذكر إنشاء قرن آخرين بعدهم
والجواب أن الفائدة هي التنبيه على أنه تعالى لا يتعاظمه أن يهلكهم ويخلي بلادهم منهم فإنه قادر على أن ينشىء مكانهم قوماً آخرين يعمر بهم بلادهم كقوله وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا ( الشمس ١٥ ) والله أعلم
وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِى قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَاذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ
اعلم أن الذين يتمردون عن قبولل دعوة الأنبياء طوائف كثيرة فالطائفة الأولى الذين بالغوا في حب الدنيا وطلب لذاتها وشهواتها إلى أن استغرقوا فيها واغتنموا وجدانها فصار ذلك مانعاً لهم عن قبول دعوة الأنبياء وهم الذين ذكرهم الله تعالى في الآية المتقدمة وبين أن لذات الدنيا ذاهبة وعذاب الكفر باق وليس من العقل تحممل العقاب الدائم لأجل اللذات المنقرضة الخسيسة والطائفة الثانية الذين يحملون معجزات


الصفحة التالية
Icon