وفي المسألة دليل رخر وهو قوله تعالى كُلُّ شَى ْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ( القصص ٨٨ ) والمراد بوجهه ذاته فهذا يدل على أنه تعالى استثنى ذات نفسه من قوله كُلّ شَى ْء والمستثنى يجب أن يكون داخلاً تحت المستثنى منه فهذا يدل على أنه تعالى يسمى باسم الشيء واحتج جهم على فساد هذا الاسم بوجوه الأول قوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَى ْء ( الشورى ١١ ) والمراد ليس مثل مثله شيء وذات كل شيء مثل مثل نفسه فهذا تصريح بأن الله تعالى لا يسمى باسم الشيء ولا يقال الكاف زائدة والتقدير ليس مثله شيء لأن جعل كلمة من كلمات القرآن عبثاً باطلاً لا يليق بأهل الدين المصير إليه إلا عند الضرورة الشديدة والثاني قوله تعالى دالله خالق كل شيء ( الرعد ١٦ ) ولو كان تعالى مسمى بالشيء لزم كونه خالقاً لنفسه وهو محال لا يقال هذا عام دخله التخصيص لأنا نقول إدخال التخصيص إنما يجوز في صورة نادرة شاذة لا يؤبه بها ولا يلتفت إليها فيجري وجودها مجرى عدمها فيطلق لفظ الكل على الأكثر تنبيهاً على أن البقية جارية مجرى العدم ومن المعلوم أن الباري تعالى لو كان مسمى باسم الشيء لكان هو تعالى أعظم الأشياء وأشرفها وإطلاق لفظ الكل مع أن يكون هذا القسم خارجاً عنه يكون محض كذب ولا يكون من باب التخصيص الثالث التمسك بقوله ( الرعد ١٦ ) ولو كان تعالى مسمى بالشيء لزم كونه خالقاً لنفسه وهو محال لا يقال هذا عام دخله التخصيص لأنا نقول إدخال التخصيص إنما يجوز في صورة نادرة شاذة لا يؤبه بها ولا يلتفت إليها فيجري وجودها مجرى عدمها فيطلق لفظ الكل على الأكثر تنبيهاً على أن البقية جارية مجرى العدم ومن المعلوم أن الباري تعالى لو كان مسمى باسم الشيء لكان هو تعالى أعظم الأشياء وأشرفها وإطلاق لفظ الكل مع أن يكون هذا القسم خارجاً عنه يكون محض كذب ولا يكون من باب التخصيص الثالث التمسك بقوله وَاللَّهُ الاسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ( الأعراف ١٨٠ ) والاسم إنما يحسن لحسن مسماه وهو أن يدل على صفة من صفات الكمال نعت من نعوت الجلال ولفظ الشيء أعم الأشياء فيكون مسماه حاصلاً في أحسن الأشياء وفي أرذلها ومتى كان كذلك لم يكن المسمى بهذا اللفظ صفة من صفات الكمال ولا نعتاً من نعوت الجلال فوجب أن لا يجوز دعوة الله تعالى بهذا الاسم لأن هذا الاسم لما لم يكن من الأسماء الحسنى والله تعالى أمر بأن يدعى الأسماء الحسنى وجب أن لا يجوز دعاء الله تعالى بهذا الاسم وكل من منع من دعاء الله بهذا الاسم قال إن هذا اللفظ ليس اسماً من أسماء الله تعالى ألبتة الرابع أن اسم الشيء يتناول المعدوم فوجب أن لا يجوز إطلاقه على الله تعالى بيان الأول قوله تعالى وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَى ْء إِنّى فَاعِلٌ ذالِكَ غَداً ( الكهف ٢٣ ) سمى الشيء الذي سيفعله غداً باسم الشيء في الحال والذي سيفعله غداف يكون معدوماً في الحال فدل ذلك على أن اسم الشيء يقع على المعدوم
وإذا ثبت هذا فقولنا إنه شيء لا يفيد امتياز ذاته عن سائر الذوات بصفة معلومة ولا بخاصة متميزة ولا يفيد كونه موجوداً فيكون هذا لفظاً لا يفيد فائدة في حق الله تعالى ألبتة فكان عبثاً مطلقاً فوجب أو لا يجوز إطلاقه على الله تعالى
والجواب عن هذه الوجوه أن يقال لما تعارضت الدلائل
فنقول لفظ الشيء أعم الألفاظ ومتى صدق الخاص صدق العام فمتى صدق فيه كونه ذاتاً وحقيقة وجب أن يصدق عليه كونه شيئاً وذلك هو المطلوب والله أعلم
أما قوله قُلْ أَى ُّ شَى ْء أَكْبَرُ شَهَادة ً قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ فالمراد أنه تعالى أوحى إليّ هذا القرآن لأنذركم به وهو خطاب لأهل مكة وقوله دومن بلغ ذ عطف على المخاطبين من أهل مكة أي لأنذركم به وأنذر كل من بلغه القرآن من العرب والعجم وقيل من الثقلين وقيل من بلغه إلى يوم القيامة وعن سعيد بن جبير من بلغه القرآن فكأنما رأى محمداً ( ﷺ ) وعلى هذا التفسير فيحصل في الآية حذف والتقدير وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغه هذا القرآن إلا أن هذا العائد محذوف لدلالة الكلام عليه


الصفحة التالية
Icon