أو لأن ما قالوا فتنة في المعنى ويجوز تأويل إلا أن قالوا لا مقالتهم وأما القراءة بالياء المنقطة من تحت ونصب فتنتهم فههنا قوله أن قالوا في محل الرفع لكونه اسم يكن وفتنتهم هو الخبر قال الواحدي الاختيار قراءة من جعل أن قالوا الاسم دون الخبر لأن أن إذا وصلت بالفعل لم توصف فأشبهت بامتناع وصفها المضمر فكما أن المظهر والمضمر إذا اجتمعا كان جعل المضمر اسماً أولى من جعله خبراً فكذا ههنا تقول كنت القائم فجعلت المضمر اسماً والمظهر خبراً فكذا ههنا ونقول قراءة حمزة والكسائي والله ربنا بنصب قوله ربنا لوجيهن أحدهما بإضمار أعني وأذكر والثاني على النداء أي والله يا ربنا والباقون بكسر الباء على أنه صفة لله تعالى
المسألة الثانية قال الزجاج تأويل هذه الآية حسن في اللغة لا يعرفه إلا من عرف معاني الكلام وتصرف العرب في ذلك وذلك أن الله تعالى بيّن كون المشركين مفتونين بشركهم متهالكين على حبه فاعلم في هذه الآية أنه لم يكن افتتانهم بشركهم وإقامتهم عليه إلا أن تبرؤا منه وتباعدوا عنه فحلفوا أنهم ما كانوا مشركين ومثاله أن ترى إنساناً يحب عارياً مذموم الطريقة فإذا وقع في محنة بسببه تبرأ منه فيقال له ما كانت محبتك لفلان إلا أن انتفيت منه فالمراد بالفتنة ههنا افتتانهم بالأوثان ويتأكد هذا الوجه بما روى عطاء عن ابن عباس أنه قال ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ معناه شركهم في الدنيا وهذا القول راجع إلى حذف المضاف لأن المعنى ثم لم تكن عاقبة فتنتهم إلا البراءة ومثله قولك ما كانت محبتك لفلان إلا أن فررت منه وتركته
المسألة الثالثة ظاهر الآية يقتضي أنهم حلفوا في القيامة على أنهم ما كانوا مشركين وهذا يقتضي إقدامهم على الكذب يوم القيامة وللناس فيه قولان الأول وهو قول أبي علي الجبائي والقاضي أن أهل القيامة لا يجوز إقدامهم على الكذب واحتجا عليه بوجوه الأول أن أهل القيامة يرعفون الله تعالى بالاضطرار إذ لو عرفون بالاستدلال لصار موقف القيامة دار التكليف وذلك باطل وإذا كانوا عارفين بالله على سبيل الاضطرار وجب أن يكونوا ملجئين إلى أن لا يفعلوا القبيح بمعنى أنهم يعلمون أنهم لو راموا فعل القبيح لمنعهم الله منه لأن مع زوال التكليف لو لم يحصل هذا المعنى لكان ذلك إطلاقهم في فعل القبيح وأنه لا يجوز فثبت أن أهل القيامة يعلمون الله بالاضطرار وثبت أنه متى كان كذلك كانوا ملجئين إلى ترك القبيح وذلك يقتضي أنه لا يقدم أحد من أهل القيامة على فعل القبيح
فإن قيل لم لا يجوز أن يقال ءنه لا يجوز منهم فعل القبيح إذ كانوا عقلاء إلا أنا نقول لم لا يجوز أن يقال إنه وقع منهم هذا الكذب لأنهم لما عاينوا أهوال القيامة اضطربت عقولهم فقالوا هذا القول الكذب عند اختلال عقولهم أو يقال إنهم نسوا كونهم مشركين في الدنيا
والجواب عن الأول أنه تعالى لا يجوز أن يحشرهم ويورد عليهم التوبيخ بقوله أَيْنَ شُرَكَاؤُهُمْ ( الأنعام ٢٢ ) ثم يحكي عنهم ما يجري مجرى الاعتذار مع أنهم غير عقلاء لأن هذا لا يليق بحكمة الله تعالى وأيضاً فالمكلفون لا بدّ وأن يكونوا عقلاء يوم القيامة ليعلموا أنهم بما يعاملهم الله به غير مظلومين
والجواب عن الثاني أن النسيان لما كانوا عليه في دار الدنيا مع كمال العقل بعيد لأن العاقل لا


الصفحة التالية
Icon