ونحن لا نكذب بآيات ربنا رددنا أو لم نرد أي قد عاينا وشاهدنا ما لا نكذب معه أبداً قال سيبويه وهو مثل قولك دعني ولا أعود فههنا المطلوب بالسؤال تركه فأما أنه لا يعود فغير داخل في الطلب فكذا هنا قوله لَنَا أَوْ نُرَدُّ الداخل في هذا التمني الرد فأما ترك التكذيب وفعل الإيمان فغير داخل في التمني بل هو حاصل سواء حصل الرد أو لم يحصل وهذان الوجهان ذكرهما الزجاج والنحويون قالوا الوجه الثاني أقوى وهو أن يكون الرد داخلاً في التمني ويكون ما بعده إخباراً محضاً واحتجوا عليه بأن الله كذبهم في الآية الثانية فقال وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ والمتمني لا يجوز تكذيبه وهذا اختيار أبي عمرو وقد احتج على صحة قوله بهذه الحجة إلا أنا قد أجبنا عن هذه الحجة وذكرنا أنها ليست قوية وأما من قرأ وَلاَ نُكَذّبَ وَنَكُونَ بالنصب ففيه وجوه الأول بإضمار ( أن ) على جواب التمني والتقدير يا ليتنا نرد وأن لا نكذب والثاني أن تكون الواو مبدلة من الفاء والتقدير يا ليتنات نرد فلا نكذب فتكون الواو ههنا بمنزلة الفاء في قولن لَوْ أَنَّ لِى كَرَّة ً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ( الزمر ٥٨ ) ويتأكد هذا الوجه بما روي أن ابن مسعود كان يقرأ فَلا نُكَذّبَ بالفاء على النصب والثالث أن يكون معناه الحال والتقدير يا ليتنا نرد غير مكذبين كما تقول العرب لا تأكل السمك وتشرب اللبن أي لا تأكل السمك شارباً للبن
واعلم أن على هذه القراءة تكون الأمور الثلاثة داخلة في التمني وأما أن المتمن كيف يجوز تكذيبه فقد سبق تقريره وأما قراءة ابن عامر وهي أنه كان يرفع وَلاَ نُكَذّبَ وينصب وَنَكُونَ فالتقدير أنه يجعل قوله وَلاَ نُكَذّبَ داخلاً في التمني بمعنى أنا إن رددنا غير مكذبين نكن من المؤمنين والله أعلم
المسألة الثالثة قوله فَقَالُواْ يالَيْتَنَا يالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذّبَ لا شبهة في أن المراد تمني ردهم إلى حالة التكليف لأن لفظ الرد إذا استعمل في المستقبل من حال إلى حال فالمفهوم منه الرد إلى الحالة الأولى والظاهر أن من صدر منه تقصير ثم عاين الشدائد والأحوال بسبب ذلك التقصير أنه يتمنى الرد إلى الحالة الأولى ليسعى في إزالة جميع وجوه التقصيرات ومعلوم أن الكفار قصروا في دار الدنيا فهم يتمنون العود إلى الدنيا لتدارك تلك التقصيرات وذلك التدارك لا يحصل بالعود إلى الدينا فقط ولا بترك التكذيب و لا بعمل الإيمان بل إنما يحصل التدارك بمجموع هذه الأمور الثلاثة فوجب إدخال هذه الثلاثة تحت التمني
فإن قيل كيف يحسن منهم تمني الرد مع أنهم يعلمون أن الرد يحصل لا ألبتة
والجواب من وجوه الأول لعلّهم لم يعلموا أن الرد لا يحصل والثاني أنهم وإن علموا أن ذلك لا يحصل إلا أن هذا العلم لا يمنع من حصول إرادة الرد كقوله تعالى يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ ( المائدة ٣٧ ) وكقوله أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ( الأعراف ٥٠ ) فلما صح أن يريدوا هذه الأشياء مع العلم بأنها لا تحصل فبأن يتمنوه أقرب لأن باب التمني أوسع لأنه يصح أن يتمنى ما لا يصح أن يريد من الأمور الثلاثة الماضية
ثم قال تعالى بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وفيه مسائل
المسألة الأولى معنى بَلِ ههنا رد كلامهم والتقدير أنهم ما تمنوا العود إلى الدينا وترك التكذيب وتحصيل الإيمان لأجل كونهم راغبين في الإيمان بل لأجل خوفهم من العقاب الذي شاهدوه


الصفحة التالية
Icon