من وقوف العبد بين يدي سيده والمقصود منه التعبير عن المقصود بالألفاظ الفصيحة البليغة
المسألة الثانية المقصود من هذه الآية أنه تعالى حكى عنهم في الآية الأولى أنهم ينكرون القيامة والبعث في الدينا ثم بيّن أنهم في الآخرة يقرون به فيكون المعنى أن حالهم في هذا الإنكار سيؤل إلى الإقرار وذلك لأنهم شاهدوا القيامة والثواب والعقاب قال الله تعالى أَلَيْسَ هَاذَا بِالْحَقّ
فإن قيل هذا الكلام يدل على أنه تعالى يقول لهم أليس هذا بالحق وهو كالمناقض لقوله تعالى وَلاَ يُكَلّمُهُمُ اللَّهُ ( البقرة ١٧٤ ) والجواب أن يحمل قوله وَلاَ يُكَلّمُهُمُ أي لا يكلمهم بالكلام الطيب النافع وعلى هذا التقدير يزول التناقض ثم إنه تعالى بيّن أنه إذا قال لهم أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا المقصود أنهم يعترفوتن بكونه حقاً مع القسم واليمين ثم إنه تعالى يقول لهم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وخص لفظ الذوق لأنهم في كل حال يجدونه وجدان الذائق في قوة الاحساس وقوله بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ أي بسبب كفركم واعلم أنه تعالى ما ذكر هذا الكلام احتجاجاً على صحة القول بالحشر والنشر لأن ذلك الدليل قد تقدم ذكره في أول السورة في قوله هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً ( الأنعام ٢ ) على ما قررناه وفسرناه بل المقصود من هذه الآية الردع والزجر عن هذا المذهب والقول
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَآءَتْهُمُ السَّاعَة ُ بَغْتَة ً قَالُواْ ياحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ
في الآية مسائل
المسألة الأولى اعلم أن المقصود من هذه الآية شرح حالة أخرى من أحوال منكري البعث والقيامة وهي أمران أحدهما حصول الخسران والثاني حمل الأوزار العظيمة
أما النوع الأول وهو حصول الخسران فتقريره أنه تعالى بعث جوهر النفس الناطقة القدسية الجسماني وأعطاه هذه الآلات الجسمانية والأدوات الجسدانية وأعطاه العقل والتفكر أجل أن يتوصل باستعمال هذه الآلات والأدوات إلى تحصيل المعارف الحقيقية والأخلاق الفاضلة التي يعظم منافعها بعد الموت فإذا استعمل الإنسان هذه الآلات والأدوات والقوة العقلية والقوة الفكرية في تحصيل هذه اللذات الدائرة والسعادات المنقطعة ثم انتهى الإنسان إلى آخر عمره فقد خسر خسراناً مبيناً لأن رأس المال قد فنى والربح الذي ظن أنه هو المطلوب فنى أيضاً وانقطع فلم يبق في يده لا من رأس المال أثر ولا من الربح شيء فكان هذا هو الخسران المبين وهذا الخسران إنما يحصل لمن كان منكراً للبعث والقيامة وكان يعتقد أن منتهى السعادات ونهاية الكمالات هو هذه السعادات العاجلة الفانية أما من كان مؤمناً بالبعث والقيامة فإنه لا يغتر


الصفحة التالية
Icon