والقول الثالث أن المراد من قوله لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ اللَّهِ معناه إني لا أدعي كوني موصوفاً بالقدرة اللائقة بالإله تعالى وقوله وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ أي ولا أدعي كوني موصوفاً بعلم الله تعالى وبمجموع هذين الكلامين حصل أنه لا يدعي الإلهية
ثم قال وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنّى مَلَكٌ وذلك لأنه ليس بعد الإلهية درجة أعلى حالاً من الملائكة فصار حاصل الكلام كأنه يقول لا أدعي الإلهية ولا أدعي الملكية ولكني أدعي الرسالة وهذا منصب لا يمتنع حصوله للبشر فكيف أطبقتم على استنكار قولي ودفع دعواي
المسألة الثانية قال الجبائي الآية دالة على أن الملك أفضل من الأنبياء لأن معنى الكلام لا أدعي منزلة فوق منزلتي ولولا أن الملك أفضل وإلا لم يصح ذلك قال القاضي إن كان الغرض بما نفى طريقة التواضع فالأقرب أن يدل ذلك على أن الملك أفضل وإن كان المراد نفي قدرته عن أفعال لا يقوى عليها إلا الملائكة لم يدل على كونهم أفضل
المسألة الثالثة قوله إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَى َّ ظاهره يدل على أنه لا يعمل إلا بالوحي وهو يدل على حكمين
الحكم الأول
أن هذا النص يدل على أنه ( ﷺ ) لم يكن يحكم من تلقاء نفسه في شيء من الأحكام وأنه ما كان يجتهد بل جميع أحكامه صادرة عن الوحي ويتأكد هذا بقوله وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْى ٌ يُوحَى ( النجم ٣ ٤ )
الحكم الثاني
إن نفاة القياس قالوا ثبت بهذا النص أنه عليه السلام ما كان يعمل إلا بالوحي النازل عليه فوجب أن لا يجوز لأحد من أمته أن يعملوا إلا بالوحي النازل عليه لقوله تعالى فَاتَّبَعُوهُ ( سبأ ٢٠ ) وذلك ينفي جواز العمل بالقياس ثم أكد هذا الكلام بقوله قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الاْعْمَى وَالْبَصِيرُ وذلك لأن العمل بغير الوحي يجري مجرى عمل الأعمى والعمل بمقتضى نزول الوحي يجري مجرى عمل البصير
ثم قال أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ والمراد منه التنبيه على أنه يجب على العاقل أن يعرف الفرق بين هذين البابين وأن لا يكون غافلاً عن معرفته والله أعلم
وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِى ٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ