والجواب المراد من تحقيق الحق وإبطال الباطل بإظهار كون ذلك الحق حقاً وإظهار كون ذلك الباطل باطلاً وذلك تارة يكون بإظهار الدلائل والبينات وتارة بتقوية رؤساء الحق وقهر رؤوساء الباطل
واعلم أن أصحابنا تمسكوا في مسألة خلق الأفعال بقوله تعالى لِيُحِقَّ الْحَقَّ قالوا وجب حمله على أنه يوجد الحق ويكونه والحق ليس إلا الدين والاعتقاد فدل هذا على أن الاعتقاد الحق لا يحصل إلا بتكوين الله تعالى قالوا ولا يمكن حمل تحقيق الحق على إظهار آثاره لأن ذلك الظهور حصل بفعل العباد فامتنع أيضاً إضافة ذلك الإظهار إلى الله تعالى ولا يمكن أن يقال المراد من إظهاره وضع الدلائل عليها لأن هذا المعنى حاصل بالنسبة إلى الكافر وإلى المسلم وقبل هذه الواقعة وبعدها فلا يحصل لتخصيص هذه الواقعة بهذا المعنى فائدة أصلاً
واعلم أن المعتزلة أيضاً تمسكوا بعين هذه الآية على صحة مذهبهم فقالوا هذه الآية تدل على أنه لا يريد تحقيق الباطل وإبطال الحق البتة بل إنه تعالى أبداً يريد تحقيق الحق وإبطال الباطل وذلك يبطل قول من يقول إنه لا باطل ولا كفر إلا والله تعالى مريد له
وأجاب أصحابنا بأنه ثبت في أصول الفقه أن المفرد المحلى بالألف واللام ينصرف إلى المعهود السابق فهذه الآية دلت على أنه تعالى أراد تحقيق الحق وإبطال الباطل في هذه الصورة فلم قلتم إن الأمر كذلك في جميع الصور بل قد بينا بالدليل أن هذه الآية تدل على صحة قولنا
أما قوله وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ فالدابر الآخر فاعل من دبر إذا أدبر ومنه دابرة الطائر وقطع الدابر عبارة عن الاستئصال والمراد أنكم تريدون العير للفوز بالمال والله تعالى يريد أن تتوجهوا إلى النفير لما فيه من إعلاء الدين الحق واستئصال الكافرين
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَة ِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
اعلم أنه تعالى لما بين في الآية الأولى أنه يحق الحق ويبطل الباطل بين أنه تعالى نصرهم عند الاستغاثة وفيه مسائل
المسألة الأولى يجوز أن يكون العامل في إِذْ هو قوله وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ فتكون الآية متصلة بما قبلها ويجوز أن تكون الآية مستأنفة على تقدير واذكروا إذ تستغيثون
المسألة الثانية في قوله إِذْ تَسْتَغِيثُونَ قولان
القول الأول أن هذه الاستغاثة كانت من الرسول عليه السلام قال ابن عباس حدثني عمر بن الخطاب قال لما كان يوم بدر ونظر رسول الله ( ﷺ ) إلى المشركين وهم ألف وإلى أصحابه وهم ثلثمائة


الصفحة التالية
Icon