برحمة الرحيم الحكيم أن يوصل الفتنة والعذاب إلى من لم يذنب
قلنا إنه تعالى قد ينزل الموت والفقر والعمى والزمانة بعبده ابتداء إما لأنه يحسن منه تعالى ذلك بحكم المالكية أو لأنه تعالى علم اشتمال ذلك على نوع من أنواع الصلاح على اختلاف المذهبين وإذا جاز ذلك لأحد هذين الوجهين فكذا ههنا والله أعلم
وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِى الأرض تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
اعلم أنه تعالى لما أمرهم بطاعة الله وطاعة الرسول ثم أمرهم باتقاء المعصية أكد ذلك التكليف بهذه الآية وذلك لأنه تعالى بين أنهم كانوا قبل ظهور الرسول ( ﷺ ) في غاية القلة والذلة وبعد ظهوره صاروا في غاية العزة والرفعة وذلك يوجب عليهم الطاعة وترك المخالفة أما بيان الأحوال التي كانوا عليها قبل ظهور محمد فمن وجوه أولها أنهم كانوا قليلين في العدد وثانيها أنهم كانوا مستضعفين والمراد أن غيرهم يستضعفهم والمراد من هذا الاستضعاف أنهم كانوا يخافون أن يتخطفهم الناس والمعنى أنهم كانوا إذا خرجوا من بلدهم خافوا أن يتخطفهم العرب لأنهم كانوا يخافون من مشركي العرب لقربهم منهم وشدة عداوتهم لهم ثم بين تعالى أنهم بعد أن كانوا كذلك قلبت تلك الأحوال بالسعادات والخيرات فأولها أنه آواهم والمراد منه أنه تعالى نقلهم إلى المدينة فصاروا آمنين من شر الكفار وثانيها قوله وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ والمراد منه وجوه النصر في يوم بدر وثالثها قوله وَرَزَقَكُم مّنَ الطَّيّبَاتِ وهو أنه تعالى أحل لهم الغنائم بعد أن كانت محرمة على من كان قبل هذه الأمة
ثم قال لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي نقلناكم من الشدة إلى الرخاء ومن البلاء إلى النعماء والآلاء حتى تشتغلوا بالشكر والطاعة فكيف يليق بكم أن تشتغلوا بالمنازعة والمخاصمة بسبب الأنفال
يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَة ٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
اعلم أنه تعالى لما ذكر أنه رزقهم من الطيبات فههنا منعهم من الخيانة وفي الآية مسائل
المسألة الأولى اختلفوا في المراد بتلك الخيانة على أقوال الأول قال ابن عباس نزلت هذه الآية في أبي لبابة حين بعثه رسول الله ( ﷺ ) إلى قريظة لما حاصرهم وكان أهله وولد فيهم فقالوا يا أبا لبابة ما


الصفحة التالية
Icon