والنوع الثاني من الأجزية المرتبة على التقوى قوله وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ فنقول إن حملنا قوله إَن تَتَّقُواْ اللَّهَ على الاتقاء من الكفر كان المراد بقوله وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ جميع السيئات التي وجدت قبل الكفر وإن حملناه على الاتقاء عن الكبائر كان المراد من هذا تكفير الصغائر
والنوع الثالث قوله وَيَغْفِرْ لَكُمْ واعلم أن المراد من تكفير السيئات سترها في الدنيا ومن المغفرة إزالتها في القيامة لئلا يلزم التكرار ثم قال وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ومن كان كذلك فإنه إذا وعد بشيء وفى به وإنما قلنا إن أفضال الله أعظم من أفضال غيره لوجوه الأول أن كل ما سوى الحق سبحانه فإنه لا يتفضل ولا يحسن إلا إذا حصلت في قلبه داعية الإفضال والإحسان وتلك الداعية حادثة فلا تحصل إلا بتخليق الله تعالى وعند هذا ينكشف أن المتفضل ليس إلا الله الذي خلق تلك الداعية الموجبة لذلك الفعل الثاني أن كل من تفضل يستفيد به نوعاً من أنواع الكمال إما عوضاً من المال أو عوضاً من المدح والثناء وإما عوضاً من نوع آخر وهو دفع الألم الحاصل في القلب بسبب الرقة الجنسية والله تعالى يعطي ويتفضل ولا يطلب به شيئاً من الأعواض لأنه كامل لذاته وما كان حاصلاً للشيء لذاته امتنع أن يستفيده من غيره الثالث أن كل من تفضل على الغير فإن المتفضل عليه يصير ممنوناً عليه من ذلك المتفضل وذلك منفر أما الحق سبحانه وتعالى فهو الموجد لذات كل أحد بجميع صفاته فلا يحصل الاستنكاف من قبول إحسانه الرابع أن كل من تفضل على غيره فإنه لا ينتفع المتفضل عليه بذلك التفضل إلا إذا حصلت له عين باصرة وأذن سامعة ومعدة هاضمة حتى ينتفع بذلك الإحسان وعند هذا ينكشف أن المتفضل هو الله في الحقيقة فثبت بهذه البراهين صحة قوله وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ
اعلم أنه تعالى لما ذكر المؤمنين نعمه عليهم بقوله وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ ( الأنفال ٢٦ ) فكذلك ذكر رسوله نعمه عليه وهو دفع كيد المشركين ومكر الماكرين عنه وهذه السورة مدنية قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم من المفسرين إن مشركي قريش تآمروا في دار الندوة ودخل عليهم إبليس في صورة شيخ وذكر أنه من أهل نجد فقال بعضهم قيدوه نتربص به ريب المنون فقال إبليس لا مصلحة فيه لأنه يغضب له قومه فتسفك له الدماء وقال بعضهم أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه لكم فقال إبليس لا مصلحة فيه لأنه يجمع طائفة على نفسه ويقاتلكم بهم وقال أبو جهل الرأي أن نجمع من كل قبيلة رجلاً فيضربوه بأسيافهم ضربة واحدة فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل فلا يقوى بنو هاشم على محاربة قريش كلها فيرضون بأخذ الدية فقال إبليس هذا هو الرأي الصواب فأوحى الله تعالى إلى نبيه بذلك وأذن له في الخروج إلى المدينة وأمره أن لا يبيت في مضجعه وأذن الله له في الهجرة وأمر علياً أن يبيت في مضجعه وقال له تسج


الصفحة التالية
Icon