إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَة ِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَة ِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَاكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَة ٍ وَيَحْيَى مَنْ حَى َّ عَن بَيِّنَة ٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ
وفي الآية مسائل
المسألة الأولى في قوله إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَة ِ الدُّنْيَا قولان أحدهما أنه متعلق بمضمر معناه واذكروا إذ أنتم كذا وكذا كما قال تعالى وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ ( الأنفال ٢٦ ) والثاني أن يكون قوله إِذْ بدلاً عن يوم الفرقان
المسألة الثانية قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو بِالْعُدْوَة ِ بكسر العين في الحرفين والباقون بالضم وهما لغتان قال ابن السكيت عدوة الوادي وعدوته جانبه والجمع عدى وعدي قال الأخفش الكسر كلام العرب لم يسمع عنهم غير ذلك وقال أحمد بن يحيى الضم في العدوة أكثر اللغتين وحكى صاحب ( الكشاف ) الضم والفتح والكسر قال وقرىء بهن و بالعدية على قلب الواو ياء لأن بينها وبين الكسر حاجزاً غير حصين كما في الفتية وأما الْحَيَواة َ الدُّنْيَا فتأنيث الأدنى وضده الْقُصْوَى وهو تأنيث الأقصى وكل شيء تنحى عن شيء فقد قصا والأقصى والقصوى كالأكبر والكبرى
فإن قيل كلتاهما فعلى من باب الواو فلم جاءت إحداهما بالياء والثانية بالواو
قلنا القياس قلب الواو ياء كالعليا وأما القصوى فقد جاء شاذاً وأكثر استعماله على أصله
المسألة الثالثة المراد بالعدوة الدنيا ما يلي جانب المدينة وبالقصوى ما يلي جانب مكة وكان الماء في العدوة التي نزل بها المشركون وكان استظهارهم من هذا الوجه أشد وَالرَّكْبُ العير التي خرجوا لها كانت في موضع أَسْفَلَ مِنكُمْ إلى ساحر البحر وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ أنتم وأهل مكة على القتال لخالف بعضكم بعضاً لقلتكم وكثرتهم وَلَاكِن لّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً أي أنه يثبتكم الله وينصركم ليقضي أمراً كان مفعولاً واجباً أن يخرج إلى الفعل وقوله لّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ بدل من قوله لّيَقْضِيَ وفيه مسائل
المسألة الأولى لا شك أن عسكر الرسول عليه السلام في أول الأمر كانوا في غاية الخوف والضعف بسبب القلة وعدم الأهبة ونزلوا بعيدين عن الماء وكانت الأرض التي نزلوا فيها أرضاً رملية تغوص فيها أرجلهم وأما الكفار فكانوا في غاية القوة بسبب الكثرة في العدد وبسبب حصول الآلات والأدوات لأنهم كانوا قريبين من الماء ولأن الأرض التي نزلوا فيها كانت صالحة للمشي ولأن العير كانوا خلف ظهورهم وكانوا يتوقعون مجيء المدد من العير إليهم ساعة فساعة ثم إنه تعالى قلب القصة وعكس القضية وجعل الغلبة للمسلمين والدمار على الكافرين فصار ذلك من أعظم المعجزات وأقوى البينات


الصفحة التالية
Icon