الناس وتقديره لا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورثاء الناس وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم
المسألة الثانية في كيفية هذا التزيين وجهان الأول أن الشيطان زين بوسوسته من غير أن يتحول في صورة الإنسان وهو قول الحسن والأصم والثاني أنه ظهر في صورة الإنسان قالوا إن المشركين حين أرادوا المسير إلى بدر خافوا من بني بكر بن كنانة لأنهم كانوا قتلوا منهم واحداً فلم يأمنوا أن يأتوهم من ورائهم فتصور لهم إبليس بصورة سراقة بن مالك بن جعشم وهو من بني بكر بن كنانة وكان من أشرافهم في جند من الشياطين ومعه راية وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم مجيركم من بني كنانة فلما رأى إبليس نزول الملائكة نكص على عقيبه وقيل كانت يده في يد الحرث بن هشام فلما نكص قال له الحرث أتخذ لنا في هذه الحال فقال إني أرى ما لا ترونا ودفع في صدر الحرث وانهزموا وفي هذه القصة سؤالات
السؤال الأول ما الفائدة في تغيير صورة إبليس إلى صورة سراقة
والجواب فيه معجزة عظيمة للرسول عليه السلام وذلك لأن كفار قريش لما رجعوا إلى مكة قالوا هزم الناس سراقة فبلغ ذلك سراقة فقال والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم فعند ذلك تبين للقوم أن ذلك الشخص ما كان سراقة بل كان شيطاناً
فإن قيل فإذا حضر إبليس لمحاربة المؤمنين ومعلوم أنه في غاية القوة فلم لم يهزموا جيوش المسلمين
قلنا لأنه رأى في جيش المسلمين جبريل مع ألف من الملائكة فلهذا السبب خاف وفر
فإن قيل فعلى هذا الطريق وجب أن ينهزم جميع جيوش المسلمين لأنه يتشبه بصورة البشر ويحضر ويعين جمع الكفار ويهزم جموع المسلمين والحاصل أنه إن قدر على هذا المعنى فلم لا يفعل ذلك في سائر وقائع المسلمين وإن لم يقدر عليه فكيف أضفتم إليه هذا العمل في واقعة بدر
الجواب لعله تعالى إنما غير صورته إلى صورة البشر في تلك الواقعة أما في سائر الوقائع فلا يفعل ذلك التغيير
السؤال الثاني أنه تعالى لما غير صورته إلى صورة البشر فما بقي شيطاناً بل صار بشراً
الجواب أن الإنسان إنما كان إنساناً بجوهر نفسه الناطقة ونفوس الشياطين مخالفة لنفوس البشر فلم يلزم من تغيير الصورة تغيير الحقيقة وهذا الباب أحد الدلائل السمعية على أن الإنسان ليس إنساناً بحسب بنيته الظاهرة وصورته المخصوصة
السؤال الثالث ما معنى قول الشيطان لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وما الفائدة في هذا الكلام مع أنهم كانوا كثيرين غالبين
والجواب أنهم وإن كانوا كثيرين في العدد إلا أنهم كانوا يشاهدون أن دولة محمد عليه الصلاة والسلام كل يوم في الترقي والتزايد ولأن محمداً كلما أخبر عن شيء فقد وقع فكانوا لهذا السبب خائفين جداً من قوم محمد ( ﷺ ) فذكر إبليس هذا الكلام إزالة للخوف عن قلوبهم ويحتمل أن يكون المراد أنه كان يؤمنهم من شر بني بكر بن كنانة خصوصاً وقد تصور بصورة زعيم منهم وقال إِنّى جَارٌ لَّكُمْ والمعنى إني إذا كنت وقومي ظهيراً لكم فلا يغلبكم أحد من الناس ومعنى الجار ههنا الدافع عن صاحبه أنواع الضرر كما


الصفحة التالية
Icon