تأنيث نقيضها وهي الحرب قال الشاعر السلم تأخذ منها ما رضيت به
والحرب تكفيك من أنفاسها جرع
وقرأ أبو بكر عن عاصم للسلم بكسر السين والباقون بالفتح وهما لغتان قال قتادة هذه الآية منسوخة بقوله اقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ( التوبة ٥ ) وقوله قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ( التوبة ٢٩ ) وقال بعضهم الآية غير منسوخة لكنها تضمنت الأمر بالصلح إذا كان الصلاح فيه فإذا رأى مصالحتهم فلا يجوز أن يهادنهم سنة كاملة وإن كانت القوة للمشركين جاز مهادنتهم للمسلمين عشر سنين ولا يجوز الزيادة عليها اقتداء برسول الله ( ﷺ ) فإنه هادن أهل مكة عشر سنين ثم إنهم نقضوا العهد قبل كمال المدة
أما قوله تعالى وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فالمعنى فوض الأمر فيما عقدته معهم إلى الله ليكون عوناً لك على السلامة ولكي ينصرك عليهم إذا نقضوا العهد وعدلوا عن الوفاء ولذلك قال إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ تنبيهاً بذلك على الزجر عن نقض الصلح لأنه عالم بما يضمره العباد وسامع لما يقولون قال مجاهد الآية نزلت في قريظة والنضير وورودها فيهم لا يمنع من إجرائها على ظاهر عمومها والله أعلم
وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِى أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى الأرض جَمِيعاً مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَاكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
اعلم أنه تعالى لما أمر في الآية المتقدمة بالصلح ذكر في هذه الآية حكماً من أحكام الصلح وهو أنهم إن صالحوا على سبيل المخادعة وجب قبول ذلك الصلح لأن الحكم يبنى على الظاهر لأن الصلح لا يكون أقوى حالاً من الإيمان فلما بنينا أمر الإيمان عن الظاهر لا على الباطن فههنا أولى ولذلك قال وَإِن يُرِيدُواْ المراد من تقدم ذكره في قوله وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ
فإن قيل أليس قال وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَة ً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ أي أظهر نقض ذلك العهد وهذا يناقض ما ذكره في هذه الآية
قلنا قوله وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَة ً محمول على ما إذا تأكد ذلك الخوف بأمارات قوية دالة عليها وتحمل هذه المخادعة على ما إذا حصل في قلوبهم نوع نفاق وتزوير إلا أنه لم تظهر أمارات تدل على كونهم قاصدين للشر وإثارة الفتنة بل كان الظاهر من أحوالهم الثبات على المسألة وترك المنازعة ثم إنه تعالى لما ذكر ذلك قال فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ أي فالله يكفيك وهو حسبك وسواء قولك هذا يكفيني وهذا حسبي هو الذي أيدك بنصره قال المفسرون يرد قواك وأعانك بنصره يوم بدر وأقول هذا التقييد خطأ لأن أمر النبي عليه السلام من أول حياته إلى آخر وقت وفاته ساعة فساعة كان أمراً إلهياً وتدبيراً


الصفحة التالية
Icon