يعفو الله عن الكبائر فقوله لَّوْلاَ كِتَابٌ مّنَ اللَّهِ سَبَقَ معناه لولا أنه تعالى حكم في الأزل بالعفو عن هذه الواقعة لمسهم عذاب عظيم وهذا هو المراد من قوله كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَة َ ( الأنعام ٥٤ ) ومن قوله ( سبقت رحمتى غضبي ) وأما على قول المعتزلة فهم لا يجوزون العفو عن الكبائر فكان معناه لَّوْلاَ كِتَابٌ مّنَ اللَّهِ سَبَقَ في أن من احترز عن الكبائر صارت صغائره مغفورة وإلا لمسهم عذاب عظيم وهذا الحكم وإن كان ثابتاً في حق جميع المسلمين إلا أن طاعات أهل بدر كانت عظيمة وهو قبولهم الإسلام وانقيادهم لمحمد ( ﷺ ) وإقدامهم على مقاتلة الكفار من غير سلاح وأهبة فلا يبعد أن يقال إن الثواب الذي استحقوه على هذه الطاعات كان أزيد من العقاب الذي استحقوه على هذا الذنب فلا جرم صار هذا الذنب مغفوراً ولو قدرنا صدور هذا الذنب من سائر المسلمين لما صار مغفوراً فبسبب هذا القدر من التفاوت حصل لأهل بدر هذا الاختصاص
ثم قال تعالى فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالاً طَيّباً روى أنهم أمسكوا عن الغنائم ولم يمدوا أيديهم إليها فنزلت هذه الآية وقيل هو إباحة الفداء
فإن قيل ما معنى الفاء في قوله فَكُلُواْ
قلنا التقدير قد أبحت لكم الغنائم فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالاً نصب على الحال من المغنوم أو صفة للمصدر أي أكلاً حلالاً وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ والمعنى واتقوا الله فلا تقدموا على المعاصي بعد ذلك واعلموا أن الله غفور ما أقدمتم عليه في الماضي من الزلة رحيم ما أتيتم من الجرم والمعصية فقوله وَاتَّقُواْ اللَّهَ إشارة إلى لمستقبل وقوله إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ إشارة إلى الحالة الماضية
يَاأَيُّهَا النَّبِى ُّ قُل لِّمَن فِى أَيْدِيكُم مِّنَ الاٌّ سْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
اعلم أن الرسول لما أخذ الفداء من الأسارى وشق عليهم أخذ أموالهم منهم ذكر الله هذه الآية استمالة لهم فقال رَّحِيمٌ يَاأَيُّهَا النَّبِى ُّ قُل لّمَن فِى أَيْدِيكُم مّنَ الاْسْرَى قال ابن عباس رضي الله عنهما نزلت في العباس وعقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحرث كان العباس أسيراً يوم بدر ومعه عشرون أوقية من الذهب أخرجها ليطعم الناس وكان أحد العشرة الذين ضمنوا الطعام لأهل بدر فلم تبلغه التوبة حتى أسر فقال العباس كنت مسلماً إلا أنهم أكرهوني فقال عليه السلام ( إن يكن ما تذكره حقاً فالله يجزيك ) فأما ظاهر أمرك فقد كان علينا قال العباس فكلمت رسول الله أن يرد ذلك الذهب علي فقال ( أما شيء خرجت لتستعين به علينا فلا ) قال وكلفني الرسول فداء ابن أخي عقيل بن أبي طالب عشرين أوقية وفداء نوفل بن