يعني أن قضية التقوى أن لا يسوى بين القبيلتين أو يكون المراد أن هذه الطائفة لما أنفوا النكث ونقض العهد استحقوا من الله أن يصان عهدهم أيضاً عن النقض والنكث روى أنه عدت بنو بكر على بن خزاعة في حال غيبة رسول الله وظاهرتهم قريش بالسلاح حتى وقد عمرو بن سالم الخزاعي على رسول الله فأنشده لا هم إني ناشد محمدا
حلف أبينا وأبيك ألا تلدا
إن قريشاً أخلفوك الموعدا
ونقضوا ذمامك المؤكدا
هم بيتونا بالحطيم هجدا
وقتلونا ركعاً وسجدا
فقال عليه الصلاة والسلام ( لا نصرت إن لم أنصركم ) وقرىء لَمْ بالضاد المعجمة أي لم ينقضوا عهدكم
فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَواة َ وَءاتَوُاْ الزَّكَواة َ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
قوله تعالى الْمُتَّقِينَ فَإِذَا انسَلَخَ الاشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَواة َ وَءاتَوُاْ
في الآية مسائل
المسألة الأولى قال الليث يقال سلخت الشهر إذا خرجت منه وكشف أبو الهيثم عن هذا المعنى فقال يقال أهللنا هلال شهر كذا أي دخلنا فيه ولبسناه فنحن نزداد كل ليلة إلى مضي نصفه لباساً منه ثم نسلخه عن أنفسنا بعد تكامل النصف منه جزءاً فجزءاً حتى نسلخه عن أنفسنا وأنشد إذا ما سلخت الشهر أهللت مثله
كفى قائلاً سلخي الشهور وإهلالي
وأقول تمام البيان فيه أن الزمان محيط بالشيء وظرف له كماأن المكان محيط به وظرف له ومكان الشيء عبارة عن السطح الباطن من الجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر ومن الجسم المحوي فإذا انسلخ الشيء من جلده فقد انفصل من السطح الباطن من ذلك الجلد وذلك السطح وهو مكانه في الحقيقة فكذلك إذا تم الشهر فقد انفصل عن إحاطة ذلك الشهر به ودخل في شهر آخر والسلخ اسم لانفصال الشيء عن مكانه المعين فجعل أيضاً اسماً لانفصاله عن زمانه المعين لما بين المكان والزمان من المناسبة التامة الشديدة وأما الأشهر الحرم فقد فسرناها في قوله فَسِيحُواْ فِى الاْرْضِ أَرْبَعَة َ أَشْهُرٍ ( التوبة ٢ ) وهي يوم النحر إلى العاشر من ربيع الآخر والمراد من كونها حرماً أن الله حرم القتل والقتال فيها ثم إنه تعالى عند انقضاء هذه الأشهر الحرم أذن في أربعة أشياء أولها قوله وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ( النساء ٨٩ ) وذلك أمر بقتلهم على الإطلاق في أي وقت وأي مكان وثانيها قوله وَخُذُوهُمْ أي بالأسر والأخيذ الأسير