فقال أبو حنيفة رحمه الله هلا اقتديت به في قوله أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى ( البقرة ٢٦٠ ) وأقول كان لقتادة أن يجيب ويقول إنه بعد أن قال بَلَى قال وَلَاكِن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى فطلب مزيد الطمأنينة وهذا يدل على أنه لا بد من قول إن شاء الله الثاني أنه تعالى ذكر في هذه الآية أن الرجل لا يكون مؤمناً إلا إذا كان موصوفاً بالصفات الخمسة وهي الخوف من الله والإخلاص في دين الله والتوكل على الله والإتيان بالصلاة والزكاة لوجه الله تعالى وذكر في أول الآية ما يدل على الحصر وهو قوله إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هم كذا وكذا وذكر في آخر الآية قوله أُوْلئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً وهذا أيضاً يفيد الحصر فلما دلت هذه الآية على هذا المعنى ثم إن الإنسان لا يمكنه القطع على نفسه بحصول هذه الصفات الخمس لا جرم كان الأولى أن يقول إن شاء الله روى أن الحسن سأله رجل وقال أمؤمن أنت فقال الإيمان إيمانان فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فأنا مؤمن وإن كنت تسألني عن قوله إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ فوالله لا أدري أمنهم أنا أم لا الثالث أن القرآن العظيم دل على أن كل من كان مؤمناً كان من أهل الجنة فالقطع بكونه مؤمناً يوجب القطع بكونه من أهل الجنة وذلك لا سبيل إليه فكذا هذا ونقل عن الثوري أنه قال من زعم أنه مؤمن بالله حقاً ثم لم يشهد بأنه من أهل الجنة فقد آمن بنصف الآية والمقصود أنه كما لا سبيل إلى القطع بأنه من أهل الجنة فكذلك لا سبيل إلى القطع بأنه مؤمن الرابع أن الإيمان عبارة عن التصديق بالقلب وعن المعرفة وعلى هذا فالرجل إنما يكون مؤمناً في الحقيقة عند ما يكون هذا التصديق وهذه المعرفة حاصلة في القلب حاضرة في الخاطر فأما عند زوال هذا المعنى فهو إنما يكون مؤمناً بحسب حكم الله أما في نفس الأمر فلا
إذا عرفت هذا لم يبعد أن يكون المراد بقوله إن شاء الله عائداً إلى استدامة مسمى الإيمان واستحضار معناه أبداً دائماً من غير حصول ذهول وغفلة عنه وهذا المعنى محتمل الخامس أن أصحاب الموافاة يقولون شرط كونه مؤمناً في الحال حصول الموافاة على الإيمان وهذا الشرط لا يحصل إلا عند الموت ويكون مجهولاً والموقوف على المجهول مجهول فلهذا السبب حسن أن يقال أنا مؤمن إن شاء الله السادس أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله عند الموت والمراد صرف هذا الاستثناء إلى الخاتمة والعاقبة فإن الرجل وإن كان مؤمناً في الحال إلا أن بتقدير أن لا يبقى ذلك الإيمان في العاقبة كان وجوده كعدمه ولم تحصل فائدة أصلاً فكان المقصود من ذكر هذا الاستثناء هذا المعنى السابع أن ذكر هذه الكلمة لا ينافي حصول الجزم والقطع ألا ترى أنه تعالى قال لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ ءامِنِينَ ( الفتح ٢٧ ) وهو تعالى منزه عن الشك والريب فثبت أنه تعالى إنما ذكر ذلك تعليماً منه لعباده هذا المعنى فكذا ههنا الأولى ذكر هذه الكلمة الدالة على تفويض الأمور إلى الله حتى يحصل ببركة هذه الكلمة دوام الإيمان الثامن أن جماعة من السلف ذكروا هذه الكلمة ورأينا لهم ما يقويه في كتاب الله وهو قوله تعالى أُوْلئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً وهم المؤمنون في علم الله وفي حكمه وذلك يدل على وجود جمع يكونون مؤمنين وعلى وجود جمع لا يكونون كذلك فالمؤمن يقول إن شاء الله حتى يجعله الله ببركة هذه الكلمة من القسم الأول لا من القسم الثاني أما القائلون أنه لا يجوز ذكر هذه الكلمة فقد احتجوا على صحة قولهم بوجوه الأول أن المتحرك يجوز أن يقول أنا متحرك ولا يجوز أن يقول أنا


الصفحة التالية
Icon