اللفظة على هاء التأنيث وأطلق على كل حيوان ذي روح ذكراً كان أو أنثى إلا أنه بحسب عرف العرب اختص بالفرس والمراد بهذا اللفظ في هذه الآية الموضوع الأصلي اللغوي فيدخل فيه جميع الحيوانات وهذا متفق عليه بين المفسرين ولا شك أن أقسام الحيوانات وأنواعها كثيرة وهي الأجناس التي تكون في البر والبحر والجبال والله يحصيها دون غيره وهو تعالى عالم بكيفية طبائعها وأعضائها وأحوالها وأغذيتها وسمومها ومساكنها وما يوافقها وما يخالفها فالإله المدبر لإطباق السموات والأرضين وطبائع الحيوان والنبات كيف لا يكون عالماً بأحوالها روي أن موسى عليه السلام عند نزول الوحي إليه تعلق قلبه بأحوال أهله فأمره الله تعالى أن يضرب بعصاه على صخرة فانشقت وخرجت صخرة ثانية ثم ضرب بعصاه عليها فانشقت وخرجت صخرة ثالثة ثم ضربها بعصاه فانشقت فخرجت منها دودة كالذرة وفي فمها شيء يجري مجرى الغذاء لها ورفع الحجاب عن سمع موسى عليه السلام فسمع الدودة تقول سبحان من يراني ويسمع كلامي ويعرف مكاني ويذكرني ولا ينساني
المسألة الثانية تعلق بعضهم بأنه يجب على الله تعالى بعض الأشياء بهذه الآية وقال إن كلمة عَلَى للوجوب وهذا يدل على أن إيصال الرزق إلى الدابة واجب على الله
وجوابه أنه واجب بحسب الوعد والفضل والإحسان
المسألة الثالثة تعلق أصحابنا بهذه الآية في إثبات أن الرزق قد يكون حراماً قالوا لأنه ثبت أن إيصال كل حيوان واجب على الله تعالى بحسب الوعد وبحسب الاستحقاق والله تعالى لا يحل بالواجب ثم قد نرى إنساناً لا يأكل من الحلال طول عمره فلو لم يكن الحرام رزقاً لكان الله تعالى ما أوصل رزقه إليه فيكون تعالى قد أخل بالواجب وذلك محال فعلمنا أن الحرام قد يكون رزقاً وأما قوله وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا فالمستقر هو مكانه من الأرض والمستودع حيث كان مودعاً قبل الاستقرار في صلب أو رحم أو بيضة وقال الفراء مستقرها حيث تأوي إليه ليلاً أو نهاراً ومستودعها موضعها الذي تموت فيه وقد مضى استقصاء تفسير المستقر والمستودع في سورة الأنعام ثم قال كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ قال الزجاج المعنى أن ذلك ثابت في علم الله تعالى ومنهم من قال في اللوح المحفوظ وقد ذكرنا ذلك في قوله وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ ( الأنعام ٥٩ )
وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض فِى سِتَّة ِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَاذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ
واعلم أنه تعالى لما أثبت بالدليل المتقدم كونه عالماً بالمعلومات أثبت بهذا الدليل كونه تعالى قادراً على كل المقدورات وفي الحقيقة فكل واحد من هذين الدليلين يدل على كمال علم الله وعلى كمال قدرته


الصفحة التالية
Icon