المسألة الأولى اعلم أن في الآية قولين
القول الأول أنها مختصة بالكفار لأن قوله مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَواة َ الدُّنْيَا يندرج فيه المؤمن والكافر والصديق والزنديق لأن كل أحد يريد التمتع بلذات الدنيا وطيباتها والانتفاع بخيراتها وشهواتها إلا أن آخر الآية يدل على أن المراد من هذا العام الخاص وهو الكافر لأن قوله تعالى أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى الاْخِرَة ِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ لا يليق إلا بالكفار فصار تقدير الآية من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها فقط أي تكون إرادته مقصورة على حب الدنيا وزينتها ولم يكن طالباً لسعادات الآخرة كان حكمه كذا وكذا ثم القائلون بهذا القول اختلفوا فيه فمنهم من قال المراد منهم منكرو البعث فإنهم ينكرون الآخرة ولا يرغبون إلا في سعادات الدنيا وهذا قول الأصم وكلامه ظاهر
القول الثاني أن الآية نزلت في المنافقين الذين كانوا يطلبون بغزوهم مع الرسول عليه السلام الغنائم من دون أن يؤمنوا بالآخرة وثوابها
والقول الثالث أن المراد اليهود والنصارى وهو منقول عن أنس
والقول الرابع وهو الذي اختاره القاضي أن المراد من كان يريد بعمل الخير الحياة الدنيا وزينتها وعمل الخير قسمان العبادات وإيصال المنفعة إلى الحيوان ويدخل في هذا القسم الثاني البر وصلة الرحم والصدقة وبناء القناظر وتسوية الطرق والسعي في دفع الشرور وإجراء الأنهار فهذه الأشياء إذا أتى بها الكافر لأجل الثناء في الدنيا فإن بسببها تصل الخيرات والمنافع إلى المحتاجين فكلها تكون من أعمال الخير فلا جرم هذه الأعمال تكون طاعات سواء صدرت من الكافر أو المسلم وأما العبادات فهي إنما تكون طاعات بنيات مخصوصة فإذا لم يؤت بتلك النية وإنما أتى فاعلها بها على طلب زينة الدنيا وتحصيل الرياء والسمعة فيها صار وجودها كعدمها فلا تكون من باب الطاعات
وإذا عرفت هذا فنقول قوله مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَواة َ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا المراد منه الطاعات التي يصح صدورها من الكافر
القول الثاني وهو أن تجري الآية على ظاهرها في العموم ونقول إنه يندرج فيه المؤمن الذي يأتي بالطاعات على سبيل الرياء والسمعة ويندرج فيه الكافر الذي هذا صفته وهذا القول مشكل لأن قوله أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى الاْخِرَة ِ إِلاَّ النَّارُ لا يليق المؤمن إلا إذا قلنا المراد أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ فِى الاْخِرَة ِ إِلاَّ النَّارُ بسبب هذه الأعمال الفاسدة والأفعال الباطلة المقرونة بالرياء ثم القائلون بهذ القول ذكروا أخباراً كثيرة في هذا الباب روي أن الرسول عليه السلام قال ( تعوذوا بالله من جب الحزن قيل وما جب الحزن قال عليه الصلاة والسلام ( واد في جهنم يلقى فيه القراء المراؤون ) وقال عليه الصلاة والسلام ( أشد الناس عذاباً يوم القيامة من يرى الناس أن فيه خيراً ولا خير فيه ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ( ﷺ ) أنه قال ( إذا كان يوم القيامة يدعى برجل جمع القرآن فيقال له ما عملت فيه فيقول يا رب قمت به آناء الليل والنهار فيقول الله تعالى كذبت بل أردت أن يقال فلان قارىء وقد قيل ذلك ويؤت بصاحب المال فيقول الله له ألم أوسع عليك فماذا عملت فيما آتيتك فيقول وصلت الرحم وتصدقت فيقول الله


الصفحة التالية
Icon