اعلم أن الكفار كانت لهم عادات كثيرة وطرق مختلفة فمنها شدة حرصهم على الدنيا ورغبتهم في تحصيلها وقد أبطل الله هذه الطريقة بقوله مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَواة َ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا ( هود ١٥ ) إلى آخر الآية ومنها أنهم كانوا ينكرون نبوة الرسول ( ﷺ ) ويقدحون في معجزاته وقد أبطل الله تعالى بقوله أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيّنَة ٍ مّن رَّبّهِ ( محمد ١٤ ) ومنها أنهم كانوا يزعمون في الأصنام أنها شفعاؤهم عند الله وقد أبطل الله تعالى ذلك بهذه الآية وذلك لأن هذا الكلام افتراء على الله تعالى فلما بين وعيد المفترين على الله فقد دخل فيه هذا الكلام
واعلم أن قوله وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً إنما يورد في معرض المبالغة وفيه دلالة على أن الافتراء على الله تعالى أعظم أنواع الظلم
ثم إنه تعالى بين وعيد هؤلاء بقوله أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبّهِمْ وما وصفهم بذلك لأنهم مختصون بذلك العرض لأن العرض عام في كل العباد كما قال وَعُرِضُواْ عَلَى رَبّكَ صَفَّا ( الكهف ٤٨ ) وإنما أراد به أنهم يعرضون فيفتضحون بأن يقول الأشهاد عند عرضهم هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبّهِمْ فحصل لهم من الخزي والنكال مالا مزيد عليه وفيه سؤالات
السؤال الأول إذا لم يجز أن يكون الله تعالى في مكان فكيف قال يُعْرَضُونَ عَلَى رَبّهِمْ والجواب أنهم يعرضون على الأماكن المعدة للحساب والسؤال ويجوز أيضاً أن يكون ذلك عرضاً على من شاء الله من الخلق بأمر الله من الملائكة والأنبياء والمؤمنين
السؤال الثاني من الأشهاد الذين أضيف إليهم هذا القول
الجواب قال مجاهد هم الملائكة الذين كانوا يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا وقال قتادة ومقاتل الاْشْهَادُ الناس كما يقال على رؤوس الأشهاد يعني على رؤوس الناس وقال الآخرون هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قال الله تعالى فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ( الأعراف ٦ ) والفائدة في اعتبار قول الأشهاد المبالغة في إظهار الفضيحة
السؤال الثالث الأشهاد جمع فما واحده
والجواب يجوز أن يكون جمع شاهد مثل صاحب وأصحاب وناصر وأنصار ويجوز أن يكون جمع شهيد مثل شريف وأشراف قال أبو علي الفارسي وهذا كأنه أرجح لأن ما جاء من ذلك في التنزيل جاء


الصفحة التالية
Icon