ثم حكى الشبهة الثانية وهي قوله وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِى َ الرَّأْى والمراد منه قلة ما لهم وقلة جاههم ودناءة حرفهم وصناعتهم هذا أيضاً جهل لأن الرفعة في الدين لا تكون بالحسب والمال والمناصب العالية بل الفقر أهون على الدين من الغنى بل نقول الأنبياء ما بعثوا إلا لترك الدنيا والإقبال على الآخرة فكيف تجعل قلة المال في الدنيا طعناً في النبوة والرسالة
ثم حكى الله تعالى الشبهة الثالثة وهي قوله وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ وهذا أيضاً جهل لأن الفضيلة المعتبرة عند الله ليست إلا بالعلم والعمل فكيف اطلعوا على بواطن الخلق حتى عرفوا نفي هذه الفضيلة ثم قالوا بعد ذكر هذه الشبهات لنوح عليه السلام ومن اتبعه بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ وفيه وجهان الأول أن يكون هذا خطاباً مع نوح ومع قومه والمراد منه تكذيب نوح في دعوى الرسالة والثاني أن يكون هذا خطاباً مع الأراذل فنسبوهم إلى أنهم كذبوا في أن آمنوا به واتبعوه
المسألة الثانية قال الواحدي الأرذل جمع رذل وهو الدون من كل شيء في منظره وحالاته ورجل رذل الثياب والفعل والأراذل جمع الأرذل كقولهم أكابر مجرميها وقوله عليه الصلاة والسلام ( أحاسنكم أخلاقاً ) فعلى هذا الأراذل جمع الجمع وقال بعضهم الأصل فيه أن يقال هو أرذل من كذا ثم كثر حتى قالوا هو الأرذل فصارت الألف واللام عوضاً عن الإضافة وقوله بَادِى َ الرَّأْى البادي هو الظاهر من قولك بدا الشيء إذا ظهر ومنه يقال بادية لظهورها وبروزها للناظر واختلفوا في بادي الرأي وذكروا فيه وجوهاً الأول اتبعوك في الظاهر وباطنهم بخلافه والثاني يجوز أن يكون المراد اتبعوك في ابتداء حدوث الرأي وما احتاطوا في ذلك الرأي وما أعطوه حقه من الفكر الصائب والتدبر الوافي الثالث أنهم لما وصفوا القوم بالرذالة قالوا كونهم كذلك بادي الرأي أمر ظاهر لكل من يراهم والرأي على هذا المعنى من رأي العين لا من رأي القلب ويتأكد هذا التأويل بما نقل عن مجاهد أنه كان يقرأ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِى َ رَأْى َ الْعَيْنِ
المسألة الثالثة قرأ أبو عمرو ونصير عن الكسائي بادىء بالهمزة والباقون بالياء غير مهموز فمن قرأ بادىء بالهمزة فالمعنى أول الرأي وابتداؤه ومن قرأ بالياء غير مهموز كان من بدا يبدو أي ظهر و أَرَاذِلُنَا بَادِى َ نصب على المصدر كقولك ضربت أول الضرب
قَالَ ياقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَة ٍ مِّن رَّبِّى وَءاتَانِى رَحْمَة ً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ
في الآية مسائل
المسألة الأولى اعلم أنه تعالى لما حكى شبهات منكري نبوة نوح عليه الصلاة والسلام حكى بعده ما يكون جواباً عن تلك الشبهات


الصفحة التالية
Icon