قوله تعالى وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ قالوا كانوا سبعة نوح عليه السلام وثلاثة أبناء له وهم سام وحام ويافث ولكل واحد منهم زوجة وقيل أيضاً كانوا ثمانية هؤلاء وزوجة نوح عليه السلام
وأما قوله إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ فالمراد ابنه وامرأته وكانا كافرين حكم الله تعالى عليهم بالهلاك
فإن قيل الإنسان أشرف من جميع الحيوانات فما السبب أنه وقع الابتداء بذكر الحيوانات
قلنا الإنسان عاقل وهو لعقله كالمضطر إلى دفع أسباب الهلاك عن نفسه فلا حاجة فيه إلى المبالغة في الترغيب بخلاف السعي في تخليص سائر الحيوانات فلهذا السبب وقع الابتداء به
واعلم أن أصحابنا احتجوا بقوله إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ في إثبات القضاء اللازم والقدر الواجب قالوا لأن قوله سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مشعر بأن كل من سبق عليه القول فإنه لا يتغير عن حاله وهو كقوله عليه الصلاة والسلام ( السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه )
النوع الثالث من تلك الأشياء قوله وَمَنْ ءامَنَ قالوا كانوا ثمانين قال مقاتل في ناحية الموصل قرية يقال لها قرية الثمانين سميت بذلك لأن هؤلاء لما خرجوا من السفينة بنوها فسميت بهذا الاسم وذكروا ماهو أزيد منه وما هو أنقص منه وذلك مما لا سبيل إلى معرفته إلا أن الله تعالى وصفهم بالقلة وهو قوله تعالى وَمَا ءامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ
فإن قيل لما كان الذين آمنوا معه ودخلوا في السفينة كانوا جماعة فلم لم يقل قليلون كما في قوله إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَة ٌ قَلِيلُونَ ( الشعراء ٥٤ )
قلنا كلا اللفظين جائز والتقدير ههنا وما آمن معه إلا نفر قليل فأما الذي يروي أن إبليس دخل السفينة فبعيد لأنه من الجن وهو جسم ناري أو هوائي وكيف يؤثر الغرق فيه وأيضاً كتاب الله تعالى لم يدل عليه وخبر صحيح ما ورد فيه فالأولى ترك الخوض فيه
وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
أما قوله وَقَالَ يعني نوح عليه السلام لقومه ارْكَبُواْ والركوب العلو على ظهر الشيء ومنه ركوب الدابة وركوب السفينة وركوب البحر وكل شيء علا شيئاً فقد ركبه يقال ركبه الدين قال الليث وتسمي العرب من يركب السفينة راكب السفينة وأما الركبان والركب من ركبوا الدواب والإبل قال الواحدي ولفظة ( في ) في قوله ارْكَبُواْ فِيهَا لا يجوز أن تكون من صلة الركوب لأنه يقال ركبت السفينة ولا يقال ركبت في السفينة بل الوجه أن يقال مفعول اركبوا محذوف والتقدير اركبوا الماء في السفينة وأيضاً يجوز أن يكون فائدة هذه الزيادة أنه أمرهم أن يكونوا في جوف الفلك لا على ظهرها فلو قال اركبوها لتوهموا أنه أمرهم أن يكونوا على ظهر السفينة


الصفحة التالية
Icon