عالم القدس فأما إذا لم يوجد هذا الحبل النوراني تاه في ظلمات عالم الضلالات نعوذ بالله منه
والتأويل الثاني قال ابن الأنباري إن إيمانهم يهديهم إلى خصائص في المعرفة ومزايا في الألفاظ ولوامع من النور تستنير بها قلوبهم وتزول بواسطتها الشكوك والشبهات عنهم كقوله تعالى وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى ( محمد ١٧ ) وهذه الزوائد والفوائد والمزايا يجوز حصولها في الدنيا قبل الموت ويجوز حصولها في الآخرة بعد الموت قال القفال وإذا حملنا الآية على هذا الوجه كان المعنى يهديهم ربهم بإيمانهم وتجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم إلا أن حذف الواو وجعل قوله تَجْرِى خبراً مستأنفاً منقطعاً عما قبله
والتأويل الثالث أن الكلام في تفسير هذه الآية يجب أن يكون مسبوقاً بمقدمات
المقدمة الأولى أن العلم نور والجهل ظلمة وصريح العقل يشهد بأن الأمر كذلك ومما يقرره أنك إذا ألقيت مسألة جليلة شريفة على شخصين فاتفق أن فهمها أحدهما وما فهمها الآخر فإنك ترى وجه الفاهم متهللاً مشرقاً مضيئاً ووجه من لم يفهم عبوساً مظلماً منقبضاً ولهذا السبب جرت عادة القرآن بالتعبير عن العلم والإيمان والنور وعن الجهل والكفر بالظلمات
والمقدمة الثانية أن الروح كاللوح والعلوم والمعارف كالنقوش المنقوشة في ذلك اللوح ثم ههنا دقيقة وهي أن اللوح الجسماني إذا رسمت فيه نقوش جسمانية فحصول بعض النقوش في ذلك اللوح مانع من حصول سائر النقوش فيه فأما لوح الروح فخاصيته على الضد من ذلك فإن الروح إذا كانت خالية عن نقوش المعارف والعلوم فإنه يصعب عليه تحصيل المعارف والعلوم فإذا احتال وحصل شيء منها كان حصول ما حصل منها معيناً له على سهولة تحصيل الباقي وكلما كان الحاصل أكثر كان تحصيل البقية أسهل فالنقوش الجسمانية يكون بعضها مانعاً من حصول الباقي والنقوش الروحانية يكون بعضها معيناً على حصول البقية وذلك يدل على أن أحوال العالم الروحاني بالضد من أحوال العالم الجسماني
المقدمة الثالثة أن الأعمال الصالحة عبارة عن الأعمال التي تحمل النفس على ترك الدنيا وطلب الآخرة والأعمال المذمومة ما تكون بالضد من ذلك
إذا عرفت هذه المقدمات فنقول الإنسان إذا آمن بالله فقد أشرق روحه بنور هذه المعرفة ثم إذا واظب على الأعمال الصالحة حصلت له ملكة مستقرة في التوجه إلى الآخرة وفي الإعراض عن الدنيا وكلما كانت هذه الأحوال أكمل كان استعداد النفس لتحصيل سائر المعارف أشد وكلما كان الاستعداد أقوى وأكمل كانت معارج المعارف أكثر وإشراقها ولمعانها أقوى ولما كان لا نهاية لمراتب المعارف والأنوار العقلية لا جرم لا نهاية لمراتب هذه الهداية المشار إليها بقوله تعالى يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ
المسألة الثانية قوله تعالى تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الاْنْهَارُ المراد منه أنهم يكونون جالسين على سرر مرفوعة في البساتين والأنهار تجري من بين أيديهم ونظيره قوله تعالى قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً ( مريم ٢٤ ) وهي ما كانت قاعدة عليها ولكن المعنى بين يديك وكذا قوله وَهَاذِهِ الاْنْهَارُ تَجْرِى مِن تَحْتِى ( الزخرف ٥١ ) المعنى بين يدي فكذا ههنا


الصفحة التالية
Icon