تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك )
المرتبة الثالثة من مراتب سعادات أهل الجنة قوله تعالى وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ قال المفسرون تحية بعضهم لبعض تكون بالسلام وتحية الملائكة لهم بالسلام كما قال تعالى وَالمَلَائِكَة ُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ( الرعد ٢٣ ) وتحية الله تعالى لهم أيضاً بالسلام كما قال تعالى سَلاَمٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ ( يس ٥٨ ) قال الواحدي وعلى هذا التقدير يكون هذا من إضافة المصدر إلى المفعول وعندي فيه وجه آخر وهو أن مواظبتهم على ذكر هذه الكلمة مشعرة بأنهم كانوا في الدنيا في منزل الآفات وفي معرض المخافات فإذا أخرجوا من الدنيا ووصلوا إلى كرامة الله تعالى فقد صاروا سالمين من الآفات آمنين من المخافات والنقصانات وقد أخبر الله تعالى عنهم بأنهم يذكرون هذا المعنى في قوله وَقَالُواْ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَة ِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ( فاطر ٣٤ ٣٥ )
المرتبة الرابعة من مراتب سعاداتهم قوله سبحانه وتعالى دَعْواهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وفيه مسائل
المسألة الأولى قد ذكرنا أن جماعة من المفسرين حملوا هذه الكلمات العالية المقدسة على أحوال أهل الجنة بسبب الأكل والشرب فقالوا إن أهل الجنة إذا اشتهوا شيئاً قالوا سبحانك اللهم وبحمدك وإذا أكلوا وفرغوا قالوا الحمد لله رب العالمين وهذا القائل ما ترقى نظره في دنياه وأخراه عن المأكول والمشروب وحقيق لمثل هذا الإنسان أن يعد في زمرة البهائم وأما المحقون المحققون فقد تركوا ذلك ولهم فيه أقوال روى الحسن البصري عن رسول الله ( ﷺ ) أنه قال ( إن أهل الجنة يلهمون الحمد والتسبيح كما تلهمون أنفاسكم ) وقال الزجاج أعلم الله تعالى أن أهل الجنة يفتتحون بتعظيم الله تعالى وتنزيهه ويختتمون بشكره والثناء عليه وأقول عندي في هذا الباب وجوه أخر فأحدها أن أهل الجنة لما استسعدوا بذكر سبحانك اللهم وبحمدك وعاينوا ما هم فيه من السلامة عن الآفات والمخافات علموا أن كل هذه الأحوال السنية والمقامات القدسية إنما تيسرت بإحسان الحق سبحانه وإفضاله وإنعامه فلا جرم اشتغلوا بالحمد والثناء فقالوا الْحَمْدُ للَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ وإنما وقع الختم على هذا الكلام لأن اشتغالهم بتسبيح الله تعالى وتمجيده من أعظم نعم الله تعالى عليهم والاشتغال بشكر النعمة متأخر عن رؤية تلك النعمة فلهذا السبب وقع الختم على هذه الكلمة وثانيها أن لكل إنسان بحسب قوته معراجاً فتارة ينزل عن ذلك المعراج وتارة يصعد إليه ومعراج العارفين الصادقين معرفة الله تعالى وتسبيح الله وتحميد الله فإذا قالوا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ فهم في عين المعراج وإذا نزلوا منه إلى عالم المخلوقات كان الحاصل عند ذلك النزول إفاضة الخير على جميع المحتاجين وإليه الإشارة بقوله وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ ثم أنه مرة أخرى يصعد إلى معراجه وعند الصعود يقول الْحَمْدُ للَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ فهذه الكلمات العالية إشارة إلى اختلاف أحوال العبد بسبب النزول والعروج وثالثها أن نقول إن قولنا الله اسم لذات الحق سبحانه فتارة ينظر العبد إلى صفات الجلال وهي المشار إليها بقوله سُبْحَانَكَ ثم يحاول الترقي منها إلى حضرة جلال الذات ترقياً يليق بالطاقة البشرية وهي المشار إليها بقوله اللَّهُمَّ فإذا عرج عن ذلك المكان واخترق في أوائل تلك الأنوار رجع إلى عالم الإكرام وهو المشار إليه بقوله الْحَمْدُ للَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ فهذه كلمات خطرت بالبال ودارت في الخيال فإن حقت فالتوفيق من الله تعالى وإن لم يكن كذلك فالتكلان على رحمة الله تعالى


الصفحة التالية
Icon