القرآن والثاني أن يبدل هذا القرآن وفيه إشكال لأنه إذا بدل هذا القرآن بغيره فقد أتى بقرآن غير هذا القرآن وإذا كان كذلك كان كل واحد منهما شيئاً واحداً وأيضاً مما يدل على أن كل واحد منهما هو عين الآخر أنه عليه الصلاة والسلام اقتصر في الجواب على نفي أحدهما وهو قوله مَا يَكُونُ لِى أَنْ أُبَدّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِى وإذا ثبت أن كل واحد من هذين الأمرين هو نفس الآخر كان إلقاء اللفظ على الترديد والتخيير فيه باطلاً
والجواب أن أحد الأمرين غير الآخر فالإتيان بكتاب آخر لا على ترتيب هذا القرآن ولا على نظمه يكون إتياناً بقرآن آخر وأما إذا أتى بهذا القرآن إلا أنه وضع مكان ذم بعض الأشياء مدحها ومكان آية رحمة آية عذاب كان هذا تبديلاً أو نقول الإتيان بقرآن غير هذا هو أن يأتيهم بكتاب آخر سوى هذا الكتاب مع كون هذا الكتاب باقياً بحاله والتبديل هو أن يغير هذا الكتاب وأما قوله إنه اكتفى في الجواب على نفي أحد القسمين
قلنا الجواب المذكور عن أحد القسمين هو عين الجواب عن القسم الثاني وإذا كان كذلك وقع الاكتفاء بذكر أحدهما عن ذكر الثاني وإنما قلنا الجواب عن أحد القسمين عين الجواب عن الثاني لوجهين الأول أنه عليه الصلاة والسلام لما بين أنه لا يجوز أن يبدله من تلقاء نفسه لأنه وارد من الله تعالى ولا يقدر على مثله كما لا يقدر سائر العرب على مثله فكان ذلك متقرراً في نفوسهم بسبب ما تقدم من تحديه لهم بمثل هذا القرآن فقد دلهم بذلك على أنه لا يتمكن من قرآن غير هذا والثاني أن التبديل أقرب إلى الإمكان من المجيء بقرآن غير هذا القرآن فجوابه عن الأسهل يكون جواباً عن الأصعب ومن الناس من قال لا فرق بين الإتيان بقرآن غير هذا القرآن وبين تبديل هذا القرآن وجعل قوله مَا يَكُونُ لِى أَنْ أُبَدّلَهُ جواباً عن الأمرين إلا أنه ضعيف على ما بيناه
المسألة الثالثة اعلم أن إقدام الكفار على هذا الالتماس يحتمل وجهين أحدهما أنهم ذكروا ذلك على سبيل السخرية والاستهزاء مثل أن يقولوا إنك لو جئتنا بقرآن آخر غير هذا القرآن أو بدلته لآمنا بك وغرضهم من هذا الكلام السخرية والتطير والثاني أن يكونوا قالوه على سبيل الجد وذلك أيضاً يحتمل وجوهاً أحدها أن يكونوا قالوا ذلك على سبيل التجربة والامتحان حتى أنه إن فعل ذلك علموا أنه كان كذاباً في قوله إن هذا القرآن نزل عليه من عند الله وثانيها أن يكون المقصود من هذا الالتماس أن هذا القرآن مشتمل على ذم آلهتهم والطعن في طرائقهم وهم كانوا يتأذون منها فالتمسوا كتاباً آخر ليس فيه ذلك وثالثها أن بتقدير أن يكونوا قد جوزوا كون هذا القرآن من عند الله التمسوا منه أن يلتمس من الله نسخ هذا القرآن وتبديله بقرآن آخر وهذا الوجه أبعد الوجوه
واعلم أن القوم لما ذكروا ذلك أمره الله تعالى أن يقول إن هذا التبديل غير جائز مني إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَى َّ ثم بين تعالى أنه بمنزلة غيره في أنه متوعد بالعذاب العظيم إن عصى ويتفرع على هذه الآية فروع
الفرع الأول أن قوله إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَى َّ معناه لا أتبع إلا ما يوحى إلي فهذا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام ما حكم إلا بالوحي وهذا يدل على أنه لم يحكم قط بالاجتهاد


الصفحة التالية
Icon