إذا عرفت هذا فنقول معنى وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ أي ولا أعلمكم الله به ولا أخبركم به قال صاحب ( الكشاف ) قرأ الحسن وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ على لغة من يقول أعطأته وأرضأته في معنى أعطيته وأرضيته ويعضده قراءة ابن عباس وَلاَ أَنذَرْتُكُمْ بِهِ ورواه الفراء وَلاَ به بالهمز والوجه فيه أن يكون من أدرأته إذا دفعته وأدرأته إذا جعلته دارياً والمعنى ولا أجعلكم بتلاوته خصماء تدرؤنني بالجدال وتكذبونني وعن ابن كثير ولأدرأكم بلام الابتداء لإثبات الإدراء
وأما قوله تعالى بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مّن قَبْلِهِ فالقراءة المشهورة بضم الميم وقرىء عُمُراً بسكون الميم
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ
واعلم أن تعلق هذه الآية بما قبلها ظاهر وذلك لأنهم التمسوا منه قرآناً يذكره من عند نفسه ونسبوه إلى أنه إنما يأتي بهذا القرآن من عند نفسه ثم إنه أقام البرهان القاهر الظاهر على أن ذلك باطل وأن هذا القرآن ليس إلا بوحي الله تعالى وتنزيله فعند هذا قال فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا والمراد أن هذا القرآن لو لم يكن من عند الله لما كان في الدنيا أحد أظلم على نفسه مني حيث افتريته على الله ولما أقمت الدلالة على أنه ليس الأمر كذلك بل هو بوحي من الله تعالى وجب أن يقال إنه ليس في الدنيا أحد أجهل ولا أظلم على نفسه منكم لأنه لما ظهر بالبرهان المذكور كونه من عند الله فإذا أنكرتموه كنتم قد كذبتم بآيات الله فوجب أن تكونوا أظلم الناس والحاصل أن قوله وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً المقصود منه نفي الكذب عن نفسه وقوله وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ المقصود منه إلحاق الوعيد الشديد بهم حيث أنكروا دلائل الله وكذبوا بآيات الله تعالى
وأما قوله إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ فهو تأكيد لما سبق من هذين الكلامين والله أعلم
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَاؤُلا ءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِى الأرض سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
اعلم أنا ذكرنا أن القوم إنما التمسوا من الرسول ( ﷺ ) قرآناً غير هذا القرآن أو تبديل هذا القرآن لأن هذا القرآن مشتمل على شتم الأصنام التي جعلوها آلهة لأنفسهم فلهذا السبب ذكر الله تعالى في هذا الموضع ما يدل على قبح عبادة الأصنام ليبين أن تحقيرها والاستخفاف بها أمر حق وطريق متيقن
واعلم أنه تعالى حكى عنهم أمرين أحدهما أنهم كانوا يعبدون الأصنام والثاني أنهم كانوا


الصفحة التالية
Icon