العقلية على أن كل ما كان قابلاً للقسمة الوهمية فإنه يكون مركباً من الأجزاء والأبعاض ودللنا على أن الذي تقوله الفلاسفة من أن الجسم قابل للقسمة ولكنه يكون في نفسه شيئاً واحداً كلام فاسد باطل فثبت بما ذكرنا أن أجرام الأفلاك مركبة من الأجزاء التي لا تتجزى وإذا ثبت هذا وجب افتقارها إلى خالق ومقدر وذلك لأنها لما تركبت فقد وقع بعض تلك الأجزاء في داخل ذلك الجرم وبعضها حصلت على سطحها وتلك الأجزاء متساوية في الطبع والماهية والحقيقة والفلاسفة أقروا لنا بصحة هذه المقدمة حيث قالوا إنها بسائط ويمتنع كونها مركبة من أجزاء مختلفة الطبائع
وإذا ثبت هذا فنقول حصول بعضها في الداخل وحصول بعضها في الخارج أمر ممكن الحصول جائز الثبوت يجوز أن ينقلب الظاهر باطناً والباطن ظاهراً وإذا كان الأمر كذلك وجب افتقار هذه الأجزاء حال تركيبها إلى مدبر وقاهر يخصص بعضها بالداخل وبعضها بالخارج فدل هذا على أن الأفلاك مفتقرة في تركيبها وأشكالها وصفاتها إلى مدبر قدير عليم حكيم
الوجه الثاني في الاستدلال بصفات الأفلاك على وجود الإله القادر أن نقول حركات هذه الأفلاك لها بداية ومتى كان الأمر كذلك افتقرت هذه الأفلاك في حركاتها إلى محرك ومدبر قاهر
أما المقام الأول فالدليل على صحته أن الحركة عبارة عن التغير من حال إلى حال وهذه الماهية تقتضي المسبوقية بالحالة المنتقل عنها والأزل ينافي المسبوقية بالغير فكان الجمع بين الحركة وبين الأزل محالاً فثبت أن لحركات الأفلاك أولاً وإذا ثبت هذا وجب أن يقال هذه الأجرام الفلكية كانت معدومة في الأزل وإن كانت موجودة لكنها كانت واقفة وساكنة وما كانت متحركة وعلى التقديرين فلحركاتها أول وبداية
( وأما المقام الثاني ) وهو أنه لما كان الأمر كذلك وجب افتقارها إلى مدبر قاهر فالدليل عليه أن ابتداء هذه الأجرام بالحركة في ذلك الوقت المعين دون ما قبله ودون ما بعده لا بد وأن يكون لتخصيص مخصص وترجيح مرجح وذلك المرجح يمتنع أن يكون موجباً بالذات وإلا لحصلت تلك الحركة قبل ذلك الوقت لأجل أن موجب تلك الحركة كان حاصلاً قبل ذلك الوقت ولما بطل هذا ثبت أن ذلك المرجح قادر مختار وهو المطلوب
الوجه الثالث في الاستدلال بصفات الأفلاك على وجود الإله المختار وهو أن أجزاء الفلك حاصلة فيه لا في الفلك الآخر وأجزاء الفلك الآخر حاصلة فيه لا في الفلك الأول فاختصاص كل واحد منها بتلك الأجزاء أمر ممكن ولا بد له من مرجح ويعود التقرير الأول فيه فهذا تقرير هذا الدليل الذي ذكره الله تعالى في هذه الآية وفي الآية سؤالات
السؤال الأول أن كلمة الَّذِى كلمة وضعت للإشارة إلى شيء مفرد عند محاولة تعريفه بقضية معلومة كما إذا قيل لك من زيد فتقول الذي أبوه منطلق فهذا التعريف إنما يحسن لو كان كون أبيه منطلقاً أمراً معلوماً عند السامع فهنا لما قال إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ فِي سِتَّة ِ أَيَّامٍ فهذا إنما يحسن لو كان كونه سبحانه وتعالى خالقاً للسموات والأرض في ستة أيام أمراً معلوماً عند السامع والعرب ما كانوا عالمين بذلك فكيف يحسن هذا التعريف


الصفحة التالية
Icon