وجوابه أنا بينا أن علامات كذب المرأة كانت كثيرة بالغة مبلغ اليقين فضموا إليها هذه العلامة الأخرى لا لأجل أن يعولوا في الحكم عليها بل لأجل أن يكون ذلك جارياً مجرى المقويات والمرجحات
ثم إنه تعالى أخبر وقال فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ وذلك يحتمل السيد الذي هو زوجها ويحتمل الشاهد فلذلك اختلفوا فيه قال إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ أي أن قولك ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً من كيدكن إن كيدكن عظيم
فإن قيل إنه تعالى لما خلق الإنسان ضعيفاً فكيف وصف كيد المرأة بالعظم وأيضاً فكيد الرجال قد يزيد على كيد النساء
والجواب عن الأول أن خلقة الإنسان بالنسبة إلى خلقة الملائكة والسموات والكواكب خلقة ضعيفة وكيد النسوات بالنسبة إلى كيد البشر عظيم ولا منافاة بين القولين وأيضاً فالنساء لهن في هذا الباب من المكر والحيل ما لا يكون للرجال ولأن كيدهن في هذا الباب يورث من العار ما لا يورثه كيد الرجال
واعلم أنه لما ظهر للقوم براءة يوسف عليه السلام عن ذلك الفعل المنكر حكى تعالى عنه أنه قال يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَاذَا فقيل إن هذا من قول العزيز وقيل إنه من قول الشاهد ومعناه أعرض عن ذكر هذه الواقعة حتى لا ينتشر خبرها ولا يحصل العار العظيم بسببها وكما أمر يوسف بكتمان هذه الواقعة أمر المرأة بالاستغفار فقال وَاسْتَغْفِرِى لِذَنبِكِ وظاهر ذلك طلب المغفرة ويحتمل أن يكون المراد من الزوج ويكون معنى المغفرة العفو والصفح وعلى هذا التقدير فالأقرب أن قائل هذا القول هو الشاهد ويحتمل أن يكون المراد بالاستغفار من الله لأن أولئك الأقوام كانوا يثبتون الصانع إلا أنهم مع ذلك كانوا يعبدون الأوثان بدليل أن يوسف عليه السلام قال مُّتَّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا ( يوسف ٢٩ ) وعلى هذا التقدير فيجوز أن يكون القائل هو الزوج وقوله إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ نسبة لها إلى أنها كانت كثيرة الخطأ فيما تقدم وهذا أحد ما يدل على أن الزوج عرف في أول الأمر أن الذنب للمرأة لا ليوسف لأنه كان يعرف عنها إقدامها على ما لا ينبغي وقال أبو بكر الأصم إن ذلك لزوج كان قليل الغيرة فاكتفى منها بالاستغفار قال صاحب ( الكشاف ) وإنما قال من الخاطئين بلفظ التذكير تغليباً للذكور على الإناث ويحتمل أن يقال المراد إنك من نسل الخاطئين فمن ذلك النسل سرى هذا العرق الخبيث فيك والله أعلم
وَقَالَ نِسْوَة ٌ فِى الْمَدِينَة ِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا وَءَاتَتْ كُلَّ وَاحِدَة ٍ مَّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ للَّهِ مَا هَاذَا بَشَرًا إِنْ هَاذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ


الصفحة التالية
Icon