مائدة ودعت جماعة من أكابرهن وأعتدت لهن متكأ وفي تفسيره وجوه الأول المتكأ النمرق الذي يتكأ عليه الثاني أن المتكأ هو الطعام قال العتبي والأصل فيه أن من دعوته ليطعم عندك فقد أعددت له وسادة تسمى الطعام متكأ على الاستعارة والثالث متكأ أترجاً وهو قول وهب وأنكر أبو عبيد ذلك ولكنه محمول على أنها وضعت عندهن أنواع الفاكهة في ذلك المجلس والرابع متكأ طعاماً يحتاج إلى أن يقطع بالسكين لأن الطعام متى كان كذلك احتاج الإنسان إلى أن يتكأ عليه عند القطع ثم نقول حاصل ذلك أنها دعت أولئك النسوة وأعدت لكل واحدة منهن مجلساً معيناً وآتت كل واحدة منهن سكيناً أي لأجل أكل الفاكهة أو لأجل قطع اللحم ثم إنها أمرت يوسف عليه السلام بأن يخرج إليهن ويعبر عليهن وأنه عليه السلام ما قدر على مخالتها خوفاً منها فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وههنا مسائل
المسألة الأولى في أَكْبَرْنَهُ قولان الأول أعظمنه والثاني أكبرن بمعنى حضن قال الأزهري والهاء للسكت يقال أكبرت المرأة إذا حاضت وحقيقته دخلت في الكبر لأنها بالحيض تخرج من حد الصغر إلى حد الكبر وفيه وجه آخر وهو أن المرأة إذا خافت وفزعت فربما أسقطت ولدها فحاضت فإن صح تفسير الإكبار بالحيض فالسبب فيه ما ذكرناه وقوله قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ كناية عن دهشتهن وحيرتهن والسبب في حسن هذه الكناية أنها لما دهشت فكانت تظن أنها تقطع الفاكهة وكانت تقطع يد نفسها أو يقال إنها لما دهشت صارت بحيث لا تميز نصابها من حديدها وكانت تأخذ الجانب الحاد من ذلك السكين بكفها فكان يحصل الجراحة في كفها
المسألة الثالثة اتفق الأكثرون على أنهن إنما أكبرنه بحسب الجمال الفائق والحسن الكامل قيل كان فضل يوسف على الناس في الفضل والحسن كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وعن النبي ( ﷺ ) قال ( مررت بيوسف عليه السلام ليلة عرج بي إلى السماء فقلت لجبريل عليه السلام من هذا فقال هذا يوسف فقيل يا رسول الله كيف رأيته قال كالقمر ليلة البدر ) وقيل كان يوسف إذا سار في أزقة مصر يرى تلألؤ وجهه على الجدران كما يرى نور الشمس من السماء عليها وقيل كان يشبه آدم يوم خلقه ربه وهذا القول هو الذي اتفقوا عليه وعندي أنه يحتمل وجهاً آخر وهو أنهن إنما أكبرنه لأنهن رأين عليه نور النبوة وسيما الرسالة وآثار الخضوع والاحتشام وشاهدن منها مهابة النبوة وهيئة الملكية وهي عدم الالتفات إلى المطعوم والمنكوح وعدم الاعتداد بهن وكان الجمال العظيم مقروناً بتلك الهيبة والهيئة فتعجبن من تلك الحالة فلا جرم أكبرنه وعظمنه ووقع الرعب والمهابة منه في قلوبهن وعندي أن حمل الآية على هذا الوجه أولى
فإن قيل فإذا كان الأمر كذلك فكيف ينطبق على هذا التأويل قولها فَذالِكُنَّ الَّذِى لُمْتُنَّنِى فِيهِ وكيف تصير هذه الحالة عذراً لها في قوة العشق وإفراط المحبة
قلنا قد تقرر أن الممنوع متبوع فكأنها قالت لهن مع هذا الخلق العجيب وهذه السيرة الملكية الطاهرة المطهرة فحسنه يوجب الحب الشديد وسيرته الملكية توجب اليأس عن الوصول إليه فلهذا السبب وقعت في المحبة والحسرة والأرق والقلق وهذا الوجه في تأويل الآية أحسن والله أعلم
المسألة الثالثة قرأ أبو عمرو وَقُلْنَ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ بإثبات الألف بعد الشين وهي رواية الأصمعي عن نافع


الصفحة التالية
Icon