الأول تمسك بأسرار الحقيقة ومكارم الشريعة ومن كان له ذوق في مقام العبودية وشرب من مشرب التوحيد عرف أن الأمر كما ذكرناه وأيضاً ففي لفظ الآية ما يدل على أن هذا القول ضعيف لأنه لو كان المراد ذلك لقال فأنساه الشيطان ذكره لربه
المسألة الثالثة الاستعانة بغير الله في دفع الظلم جائزة في الشريعة لا إنكار عليه إلا أنه لما كان ذلك مستدركاً من المحققين المتوغلين في بحار العبودية لا جرم صار يوسف عليه السلام مؤاخذاً به وعند هذا نقول الذي يصير مؤاخذاً بهذا القدر لأن يصير مؤاخذاً بالإقدام على طلب الزنا ومكافأة الإحسان بالإساءة كان أولى فلما رأينا الله تعالى آخذه بهذا القدر ولم يؤاخذه في تلك القضية ألبتة وما عابه بل ذكره بأعظم وجوه المدح والثناء علمنا أنه عليه السلام كان مبرأ مما نسبه الجهال والحشوية إليه
المسألة الرابعة الشيطان يمكنه إلقاء الوسوسة وأما النسيان فلا لأنه عبارة عن إزالة العلم عن القلب والشيطان لا قدرة له عليه وإلا لكان قد أزال معرفة الله تعالى عن قلوب بني آدم
وجوابه أنه يمكنه من حيث إنه بوسوسته يدعو إلى سائر الأعمال واشتغال الإنسان بسائر الأعمال يمنعه عن استحضار ذلك العلم وتلك المعرفة
المسألة الخامسة قوله فَلَبِثَ فِى السّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ فيه بحثان
البحث الأول بحسب اللغة قال الزجاج اشتقاقه من بضعت بمعنى قطعت ومعناه القطعة من العدد قال الفراء ولا يذكر البضع إلا مع عشرة أو عشرين إلى التسعين وذلك يقتضي أن يكون مخصوصاً بما بين الثلاثة إلى التسعة وقال هكذا رأيت العرب يقولون وما رأيتهم يقولون بضع ومائة وروى الشعبي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه ( كم البضع ) قالوا الله ورسوله أعلم قال ( ما دون العشرة ) واتفق الأكثرون على أن المراد ههنا ببضع سنين سبع سنين قالوا إن يوسف عليه السلام حين قال لذلك الرجل اذْكُرْنِى عِندَ رَبّكَ كان قد بقي في السجن خمس سنين ثم بقي بعد ذلك سبع سنين قال ابن عباس رضي الله عنهما لما تضرع يوسف عليه السلام إلى ذلك الرجل كان قد اقترب وقت خروجه فلما ذكر ذلك لبث في السجن بعده سبع سنين وروي أن الحسن روى قوله صلوات الله عليه وسلامه ( رحم الله يوسف لولا الكلمة التي قالها لما لبث في السجن هذه المدة الطويلة ) ثم بكى الحسن وقال نحن إذا نزل بنا أمر تضرعنا إلى الناس
وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّى أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ياأَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِى فِى رُؤْيَاى َ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الاٌّ حْلَامِ بِعَالِمِينَ