وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَى أَرْبَعٍ ( النور ٤٥ ) وقوله إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبّى استثناء متصل أو منقطع فيه وجهان الأول أنه متصل وفي تقريره وجهان الأول أن يكون قوله إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبّى أي إلا البعض الذي رحمه ربي بالعصمة كالملائكة الثاني إلا ما رحم ربي أي إلا وقت رحمة ربي يعني أنها أمارة بالسوء في كل وقت إلا في وقت العصمة
والقول الثاني أنه استثناء منقطع أي ولكن رحمة ربي هي التي تصرف الإساءة كقوله وَلَّاهُمْ يُنصَرُونَ ( البقرة ٤٨ ) إِلاَّ رَحْمَة ً مّنَّا ( يس ٤٤ )
المسألة الثالثة اختلف الحكماء في أن النفس الإمارة بالسوء ما هي والمحققون قالوا إن النفس الإنسانية شيء واحد ولها صفات كثيرة فإذا مالت إلى العالم الإلهي كانت نفساً مطمئنة وإذا مالت إلى الشهوة والغضب كانت أمارة بالسوء وكونها أمارة بالسوء يفيد المبالغة والسبب فيه أن النفس من أول حدوثها قد ألفت المحسوسات والتذت بها وعشقتها فأما شعورها بعالم المجردات وميلها إليه فذلك لا يحصل إلا نادراً في حق الواحد فالواحد وذلك الواحد فإنما يحصل له ذلك التجرد والانكشاف طول عمره في الأوقات النادرة فلما كان الغالب هو انجذابها إلى العالم الجسداني وكان ميلها إلى الصعود إلى العالم الأعلى نادراً لا جرم حكم عليها بكونها أمارة بالسوء ومن الناس من زعم أن النفس المطمئنة هي النفس العقلية النطقية وأما النفس الشهوانية والغضبية فهما مغايرتان للنفس العقلية والكلام في تحقيق الحق في هذا الباب مذكور في المعقولات
المسألة الرابعة تمسك أصحابنا في أن الطاعة والإيمان لا يحصلان إلا من الله بقوله إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبّى قالوا دلت الآية على أن انصراف النفس من الشر لا يكون إلا برحمته ولفظ الآية مشعر بأنه متى حصلت تلك الرحمة حصل ذلك الانصراف فنقول لا يمكن تفسير هذه الرحمة بإعطاء العقل والقدرة والألطاف كما قاله القاضي لأن كل ذلك مشترك بين الكافر والمؤمن فوجب تفسيرها بشيء آخر وهو ترجيح داعية الطاعة على داعية المعصية وقد أثبتنا ذلك أيضاً بالبرهان القاطع وحينئذ يحصل منه المطلوب
وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِى بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ قَالَ اجْعَلْنِى عَلَى خَزَآئِنِ الأرض إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ
في الآية مسائل
المسألة الأولى اختلفوا في هذا الملك فمنهم من قال هو العزيز ومنهم من قال بل هو الريان الذي هو الملك الأكبر وهذا هو الأظهر لوجهين الأول أن قول يوسف اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الاْرْضِ يدل عليه الثاني أن قوله أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى يدل على أنه قبل ذلك ما كان خالصاً له وقد كان يوسف عليه السلام قبل ذلك خالصاً للعزيز فدل هذا على أن هذا الملك هو الملك الأكبر