وإذا ثبت هذا فنقول إنه عليه السلام كان مكلفاً برعاية مصالح الخلق من هذه الوجوه وما كان يمكنه رعايتها إلا بهذا الطريق وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فكان هذا الطريق واجباً عليه ولما كان واجباً سقطت الأسئلة بالكلية وأما ترك الاستثناء فقال الواحدي كان ذلك من خطيئة أوجبت عقوبة وهي أنه تعالى أخر عنه حصول ذلك المقصود سنة وأقول لعل السبب فيه أنه لو ذكر هذا الاستثناء لاعتقد فيه الملك أنه إنما ذكره لعلمه بأنه لا قدرة له على ضبط هذه المصلحة كما ينبغي فلأجل هذا المعنى ترك الاستثناء وأما قوله لم مدح نفسه فجوابه من وجوه الأول لا نسلم أنه مدح نفسه لكنه بين كونه موصوفاً بهاتين الصفتين النافعتين في حصول هذا المطلوب وبين البابين فرق وكأنه قد غلب على ظنه أنه يحتاج إلى ذكر هذا الوصف لأن الملك وإن علم كماله في علوم الدين لكنه ما كان عالماً بأنه يفي بهذا الأمر ثم نقول هب أنه مدح نفسه إلا أن مدح النفس إنما يكون مذموماً إذا قصد الرجل به التطاول والتفاخر والتوصل إلى غير ما يحل فأما على غير هذا الوجه فلا نسلم أنه محرم فقوله تعالى فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ ( النجم ٣٢ ) المراد منه تزكية النفس حال مايعلم كونها غير متزكية والدليل عليه قوله تعالى بعد هذه الآية هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى أما إذا كان الإنسان عالماً بأنه صدق وحق فهذا غير ممنوع منه والله أعلم
قوله ما الفائدة في وصفه نفسه بأنه حفيظ عليم
قلنا إنه جار مجرى أن يقول حفيظ بجميع الوجوه التي منها يمكن تحصيل الدخل والمال عليم بالجهات التي تصلح لأن يصرف المال إليها ويقال حفيظ بجميع مصالح الناس عليم بجهات حاجاتهم أو يقال حفيظ لوجوه أياديك وكرمك عليم بوجوب مقابلتها بالطاعة والخضوع وهذا باب واسع يمكن تكثيره لمن أراده
وَكَذالِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الأرض يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَآءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلاّجْرُ الاٌّ خِرَة ِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ
فيه مسائل
المسألة الأولى اعلم أن يوسف عليه السلام لما التمس من الملك أن يجعله على خزائن الأرض لم يحك الله عن الملك أنه قال قد فعلت بل الله سبحانه قال وَكَذالِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الاْرْضِ فههنا المفسرون قالوا في الكلام محذوف وتقديره قال الملك قد فعلت إلا أن تمكين الله له في الأرض يدل على أن الملك الملك قد أجابه إلى ما سأل وأقول ما قالوه حسن إلا أن ههنا ما هو أحسن منه وهو أن إجابة الملك له سبب في عالم الظاهر وأما المؤثر الحقيقي فليس إلا أنه تعالى مكنه في الأرض وذلك لأن ذلك الملك كان متمكناً من القبول ومن الرد فنسبة قدرته إلى القبول وإلى الرد على التساوي وما دام يبقى هذ التساوي امتنع حصول القبول فلا بد وأن يترجح القبول على الرد في خاطر ذلك الملك وذلك الترجح لا يكون إلا