يعرف براءتهم عن هذه التهمة لأن البهتان لا يليق بحال الصديق
ثم قال فَإِن لَّمْ تَأْتُونِى بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِى وَلاَ تَقْرَبُونِ
واعلم أنه عليه السلام لما طلب منهم إحضار ذلك الأخ جمع بين الترغيب والترهيب أما الترغيب فهو قوله أَلاَ تَرَوْنَ أَنّى أُوفِى الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ وأما الترهيب فهو قوله فَإِن لَّمْ تَأْتُونِى بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِى وَلاَ تَقْرَبُونِ وذلك لأنهم كانوا في نهاية الحاجة إلى تحصيل الطعام وما كان يمكنهم تحصيله إلا من عنده فإذا منعهم من الحضور عنده كان ذلك نهاية الترهيب والتخويف ثم إنهم لما سمعوا هذا الكلام من يوسف قالوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ أي سنجتهد ونحتال على أن ننزعه من يده وإنا لفاعلون هذه المراودة والغرض من التكرير التأكيد ويحتمل أن يكون وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ أن نجيئك به ويحتمل وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ كل ما في وسعنا من هذا الباب
وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِى رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ ياأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَاحِمِينَ
في الآية مسائل
المسائل الأولى قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم لفتيانه بالألف والنون والباقون لفتيته بالتاء من غير ألف وهما لغتان كالصبيان والصبية والإخوان والإخوة قال أبو علي الفارسي الفتية جمع فتى في العدد القليل والفتيان للكثير فوجه البناء الذي للعدد القليل أن الذين يحيطون بما يجعلون بضاعتهم فيه من رحالهم يكونون قليلين لأن هذا من باب الأسرار فوجب صونه إلا عن العدد القليل ووجه الجمع الكثير أنه قال لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِى رِحَالِهِمْ والرحال تفيد العدد الكثير فوجب أن يكون الذين يباشرون ذلك العمل كثيرين
المسألة الثانية اتفق الأكثرون على أن إخوة يوسف ما كانوا عالمين بجعل البضاعة في رحالهم ومنهم من قال إنهم كانوا عارفين به وهو ضعيف لأن قوله لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا يبطل ذلك ثم اختلفوا في السبب الذي لأجله أمر يوسف بوضع بضاعتهم في رحالهم على وجوه الأول أنهم متى فتحوا المتاع فوجدوا بضاعتهم فيه علموا أن ذلك كان كرماً من يوسف وسخاء محضاً فيبعثهم ذلك على العود إليه والحرص على معاملته الثاني خاف أن لا يكون عند أبيه من الورق ما يرجعون به مرة أخرى الثالث أراد به التوسعة على