قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِى بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّآ ءَاتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ
اعلم أن الموثق مصدر بمعنى الثقة ومعناه العهد الذي يوثق به فهو مصدر بمعنى المفعول يقول لن أرسله معكم حتى تعطوني عهداً موثوقاً به وقوله مِنَ اللَّهِ أي عهداً موثوقاً به بسبب تأكده بإشهاد الله وبسبب القسم بالله عليه وقوله لَتَأْتُنَّنِى بِهِ دخلت اللام ههنا لأجل أنا بينا أن المراد بالموثق من الله اليمين فتقديره حتى تحلفوا بالله لتأتنني به وقوله إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فيه بحثان
البحث الأول قال صاحب ( الكشاف ) هذا الاستثناء متصل فقوله إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ مفعوله له والكلام المثبت الذي هو قوله لَتَأْتُنَّنِى بِهِ في تأويل المنفي فكان المعنى لا تمتنعون من الإتيان به لعلة من العلل إلا لعلة واحدة
البحث الثاني قال الواحدي للمفسرين فيه قولان
القول الأول أن قوله إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ معناه الهلاك قال مجاهد إلا أن تموتوا كلكم فيكون ذلك عذراً عندي والعرب تقول أحيط بفلان إذا قرب هلاكه قال تعالى وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ ( الكهف ٤٢ ) أي أصابه ما أهلكه وقال تعالى وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ( يونس ٢٢ ) وأصله أن من أحاط به العدو وانسدت عليه مسالك النجاة دنا هلاكه فقيل لكل من هلك قد أحيط به
والقول الثاني ما ذكره قتادة إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ إلا أن تصيروا مغلوبين مقهورين فلا تقدرون على الرجوع
ثم قال تعالى فَلَمَّا ءاتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ يريد شهيد لأن الشهيد وكيل بمعنى أنه موكول إليه هذا العهد فإن وفيتم به جازاكم بأحسن الجزاء وإن غدرتم فيه كافأكم بأعظم العقوبات
وَقَالَ يابَنِى َّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَة ٍ وَمَآ أُغْنِى عَنكُمْ مِّنَ اللَّهِ مِن شَى ْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ
اعلم أن أبناء يعقوب لما عزموا على الخروج إلى مصر وكانوا موصوفين بالكمال والجمال وأبناء رجل واحد قال لهم لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرّقَة ٍ وفيه قولان الأول وهو قول جمهور