المراد ويخصه بأنواع العلوم وأقسام الفضائل والمراد ههنا هو أنه تعالى رفع درجات يوسف على إخوته في كل شيء
واعلم أن هذه الآية تدل على أن العلم أشرف المقامات وأعلى الدرجات لأنه تعالى لما هدى يوسف إلى هذه الحيلة والفكرة مدحه لأجل ذلك فقال نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء وأيضاً وصف إبراهيم عليه السلام بقوله نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء ( الأنعام ٨٣ ) عند إيراده ذكر دلائل التوحيد والبراءة عن إلهية الشمس والقمر والكواكب ووصف ههنا يوسف أيضاً بقوله نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء لما هداه إلى هذه الحيلة وكم بين المرتبتين من التفاوت
ثم قال تعالى وَفَوْقَ كُلّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ والمعنى أن إخوة يوسف عليه السلام كانوا علماء فضلاء إلا أن يوسف كان زائداً عليهم في العلم
واعلم أن المعتزلة احتجوا بهذه الآية على أنه تعالى عالم بذاته لا بالعلم فقالوا لو كان عالماً بالعلم لكان ذا علم ولو كان كذلك لحصل فوقه عليم تمسكاً بعموم هذه الآية وهذا باطل
واعلم أن أصحابنا قالوا دلت سائر الآيات على إثبات العلم لله تعالى وهي قوله إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَة ِ ( لقمان ٣٤ ) أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ ( النساء ١٦٦ ) لا يُحِيطُونَ بِشَيْء مّنْ عِلْمِهِ ( البقرة ٢٥٥ ) مَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ ( فاطر ١١ ) وإذا وقع التعارض فنحن نحمل الآية التي تمسك الخصم بها على واقعة يوسف وإخوته خاصة غاية ما في الباب أنه يوجب تخصيص العموم إلا أنه لا بد من المصير إليه لأن العالم مشتق من العلم والمشتق مركب والمشتق منه مفرد وحصول المركب بدون حصول المفرد محال في بديهة العقل فكان الترجيح من جانبنا
قَالُوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِى نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَاللَّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ
اعلم أنه لما خرج الصواع من رحل أخي يوسف نكس إخوته رؤسهم وقالوا هذه الواقعة عجيبة أن راحيل ولدت ولدين لصين ثم قالوا يا بني راحيل ما أكثر البلاء علينا منكم فقال بنيامين ماأكثر البلاء علينا منكم ذهبتم بأخي وضيعتموه في المفازة ثم تقولون لي هذا الكلام قالوا له فكيف خرج الصواع من رحلك فقال وضعه في رحلي من وضع البضاعة في رحالكم
واعلم أن ظاهر الآية يقتضي أنهم قالوا للملك إن هذا الأمر ليس بغريب منه فإن أخاه الذي هلك كان أيضاً سارقاً وكان غرضهم من هذا الكلام أنا لسنا على طريقته ولا على سيرته وهو وأخوه مختصان بهذه الطريقة لأنهما من أم أخرى واختلفوا في السرقة التي نسبوها إلى يوسف عليه السلام على أقوال الأول