أنها كيف وقعت وأنه ليس فيها ما يوجب الذم والطعن روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال عوقب يوسف عليه السلام ثلاث مرات لأجل همه بها عوقب بالحبس وبقوله اذْكُرْنِى عِندَ رَبّكَ ( يوسف ٤٢ ) عوقب بالحبس الطويل وبقوله إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ( يوسف ٧ ) عوقب بقولهم فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ثم حكى تعالى عن يوسف أنه قال أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً أي أنتم شر منزلة عند الله تعالى لما أقدمتم عليه من ظلم أخيكم وعقوق أبيكم فأخذتم أخاكم وطرحتموه في الجب ثم قلتم لأبيكم إن الذئب أكله وأنتم كاذبون ثم بعتموه بعشرين درهماً ثم بعد المدة الطويلة والزمان الممتد ما زال الحقد والغضب عن قلوبكم فرميتموه بالسرقة
ثم قال تعالى وَاللَّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ يريد أن سرقة يوسف كانت رضا لله وبالجملة فهذه الوجوه المذكورة في سرقته لا يوجب شيء منها عود الذم واللوم إليه والمعنى والله أعلم بأن هذا الذي وصفتموه به هل يوجب عود مذمة إليه أم لا
قَالُواْ ياأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّآ إِذًا لَّظَالِمُونَ
اعلم أنه تعالى بين أنهم بعد الذي ذكروه من قولهم إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ( يوسف ٧٧ ) أحبوا موافقته والعدول إلى طريقة الشفاعة فإنهم وإن كانوا قد اعترفوا أن حكم الله تعالى في السارق أن يستعبد إلا أن العفو وأخذ الفداء كان أيضاً جائزا فقالوا يا أيها العزيز إن له أباً شيخاً كبيراً أي في السن ويجوز أن يكون في القدر والدين وإنما ذكروا ذلك لأن كونه ابناً لرجل كبير القدر يوجب العفو والصفح ثم قالوا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ يحتمل أن يكون المراد على طريق الاستبعاد ويحتمل أن يكون المراد على طريق الرهن حتى نوصل الفداء إليك ثم قالوا إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ وفيه وجوه أحدها إنا نراك من المحسنين لو فعلت ذلك وثانيها إنا نراك من المحسنين إلينا حيث أكرمتنا وأعطيتنا البذل الكثير وحصلت لنا مطلوبنا على أحسن الوجوه ووردت إلينا ثمن الطعام وثالثها نقل أنه عليه السلام لما اشتد القحط على القوم ولم يجدوا شيئاً يشترون به الطعام وكانوا يبيعون أنفسهم منه فصار ذلك سبباً لصيرورة أكثر أهل مصر عبيداً له ثم إنه أعتق الكل فلعلهم قالوا إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ إلى عامة الناس بالإعتاق فكن محسناً أيضاً إلى هذا الإنسان بإعتاقه من هذه المحنة فقال يوسف مَعَاذَ اللَّهِ أي أعود بالله معاذاً أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده أي أعوذ بالله أن آخذ بريئاً بمذنب قال الزجاج موضع ( أن ) نصب والمعنى أعوذ بالله من أخذ أحد بغيره فلما سقطت كلمة ( من ) انتصب الفعل عليه وقوله إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ أي لقد تعديت وظلمت إن آذيت إنساناً بجرم صدر عن غيره
فإن قيل هذه الواقعة من أولها إلى آخرها تزوير وكذب فكيف يجوز من يوسف عليه السلام مع


الصفحة التالية
Icon