على أنه مركب من الآيات والكلمات وكل ما كان مركباً كان محدثاً
والجواب عن هذه الوجوه بأسرها أن نقول إنها تدل على أن المركب من الحروف والكلمات والألفاظ والعبارات محدث وذلك لا نزاع فيه إنما الذي ندعي قدمه شيء آخر فسقط هذا الاستدلال
المسأل الثالثة احتج الجبائي بقوله لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ فقال كلمة ( لعل ) يجب حملها على الجزم والتقدير إنا أنزلناه قرآناً عربياً لتعقلوا معانيه في أمر الدين إذ لا يجوز أن يراد بلعلكم تعقلون الشك لأنه على الله محال فثبت أن المراد أنه أنزله لإرادة أن يعرفوا دلائله وذلك يدل على أنه تعالى أراد من كل العباد أن يعقلوا توحيده وأمر دينه من عرف منهم ومن لم يعرف بخلاف قول المجبرة
والجواب هب أن الأمر ما ذكرتم إلا أنه يدل على أنه تعالى أنزل هذه السورة وأراد منهم معرفة كيفية هذه القصة ولكن لم قلتم إنها تدل على أنه تعالى أراد من الكل الإيمان والعمل الصالح
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَاذَا الْقُرْءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ
وفيه مسائل
المسألة الأولى روى سعيد بن جبير أنه تعالى لما أنزل القرآن على رسول الله ( ﷺ ) وكان يتلوه على قومه فقالوا يا رسول الله لو قصصت علينا فنزلت هذه السورة فتلاها عليهم فقالوا لو حدثتنا فنزل اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً ( الزمر ٢٣ ) فقالوا لو ذكرتنا فنزل أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ( الحديد ١٦ )
المسألة الثانية القصص اتباع الخبر بعضه بعضاً وأصله في اللغة المتابعة قال تعالى وَقَالَتْ لاخْتِهِ قُصّيهِ ( القصص ١١ ) أي اتبعي أثره وقال تعالى فَارْتَدَّا عَلَى ءاثَارِهِمَا قَصَصًا ( الكهف ٦٤ ) أي اتباعاً وإنما سميت الحكاية قصصاً لأن الذي يقص الحديث يذكر تلك القصة شيئاً فشيئاً كما يقال تلا القرآن إذا قرأه لأنه يتلو أي يتبع ما حفظ منه آية بعد آية والقصص في هذه الآية يحتمل أن يكون مصدراً بمعنى الاقتصاص يقال قص الحديث يقصه قصاً وقصصاً إذا طرده وساقه كما يقال أرسله يرسله إرسالاً ويجوز أن يكون من باب تسمية المفعول بالمصدر كقولك هذا قدرة الله تعالى أي مقدوره وهذا الكتاب علم فلان أي معلومه وهذا رجاؤنا أي مرجونا فإن حملناه على المصدر كان المعنى نقص عليك أحسن الاقتصاص وعلى هذا التقدير فالحسن يعود إلى حسن البيان لا إلى القصة والمراد من هذا الحسن كون هذه الألفاظ فصيحة بالغة في الفصاحة إلى حد الإعجاز ألا ترى أن هذه القصة مذكورة في كتب التواريخ مع أن شيئاً منها لا يشابه هذه السورة في الفصاحة والبلاغة وإن حملناه على المفعول كان معنى كونه أحسن القصص لما فيه من العبر والنكت والحكم والعجائب التي ليست في غيرها فإن إحدى الفوائد التي في هذه القصة أنه لا دافع لقضاء