واعلم أنا لما فسرنا هذه الآية بالنبوة لزم الحكم بأن أولاد يعقوب كلهم كانوا أنبياء وذلك لأنه قال وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءالِ يَعْقُوبَ وهذا يقتضي حصول تمام النعمة لآل يعقوب فلما كان المراد من إتمام النعمة هو النبوة لزم حصولها لآل يعقوب ترك العمل به في حق من عدا أبناءه فوجب أن لا يبقى معمولاً به في حق أولاده وأيضاً أن يوسف عليه السلام قال إِنّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وكان تأويله أحد عشر نفساً لهم فضل وكمال ويستضيء بعلمهم ودينهم أهل الأرض لأنه لا شيء أضوأ من الكواكب وبها يهتدى وذلك يقتضي أن يكون جملة أولاد يعقوب أنبياء ورسلاً
فإن قيل كيف يجوز أن يكونوا أنبياء وقد أقدموا على ما أقدموا عليه في حق يوسف عليه السلام
قلنا ذاك وقع قبل النبوة وعندنا العصمة إنما تعتبر في وقت النبوة لا قبلها
القول الثاني أن المراد من قوله وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ خلاصه من المحن ويكون وجه التشبيه في ذلك بإبراهيم وإسحق عليهما السلام هو إنعام الله تعالى على إبراهيم بإنجائه من النار وعلى ابنه إسحق بتخليصه من الذبح
والقول الثالث أن إتمام النعمة هو وصل نعمة الله عليه في الدنيا بنعم الآخرة بأن جعلهم في الدنيا أنبياء وملوكاً ونقلهم عنها إلى الدرجات العلى في الجنة
واعلم أن القول الصحيح هو الأول لأن النعمة التامة في حق البشر ليست إلا النبوة وكل ما سواها فهي ناقصة بالنسبة إليها ثم إنه عليه السلام لما وعده بهذه الدرجات الثلاثة ختم الكلام بقوله إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ فقوله عَلِيمٌ إشارة إلى قوله اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ( الأنعام ١٢٤ ) وقوله حَكِيمٌ إشارة إلى أن الله تعالى مقدس عن السفه والعبث لا يضع النبوة إلا في نفس قدسية وجوهرة مشرقة علوية
فإن قيل هذه البشارات التي ذكرها يعقوب عليه السلام هل كان قاطعاً بصحتها أم لا فإن كان قاطعاً بصحتها فكيف حزن على يوسف عليه السلام وكيف جاز أن يشتبه عليه أن الذئب أكله وكيف خاف عليه من إخوته أن يهلكوه وكيف قال لإخوته وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون مع علمه بأن الله سبحانه سيجتبيه ويجعله رسولاً فأما إذا قلنا إنه عليه السلام ما كان عالماً بصحة هذه الأحوال فكيف قطع بها وكيف حكم بوقوعها حكماً جازماً من غير تردد
قلنا لا يبعد أن يكون قوله وَكَذالِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ مشروطاً بأن لا يكيدوه لأن ذكر ذلك قد تقدم وأيضاً فبتقدير أن يقال إنه عليه السلام كان قاطعاً بأن يوسف عليه السلام سيصل إلى هذه المناصب إلا أنه لا يمتنع أن يقع في المضايق الشديدة ثم يتخلص منها ويصل إلى تلك المناصب فكان خوفه لهذا السبب ويكون معنى قوله وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذّئْبُ ( يوسف ١٣ ) الزجر عن التهاون في حفظه وإن كان يعلم أن الذئب لا يصل إليه
لَّقَدْ كَانَ فِى يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ءايَاتٌ لِّلسَّآئِلِينَ إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَة ٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ


الصفحة التالية
Icon