واللطافة ومطابقة المصلحة
والوجه الرابع في تفسير هذا اللفظ أن الشيء الذي ينبت من الأرض نوعان المعادن والنبات أما المعادن فهي بأسرها موزونة وهي الأجساد السبعة والأحجار والأملاح والزاجات وغيرها وأما النبات فيرجع عاقبتها إلى الوزن لأن الحبوب توزن وكذلك الفواكه في الأكثر والله أعلم وقوله تعالى وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ فيه مسألتان
المسألة الأولى ذكرنا الكلام في المعايش في سورة الأعراف وقوله وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ فيه قولان
القول الأول أنه معطوف على محل لكم والتقدير وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين
والقول الثاني أنه عطف على قوله مَعَايِشَ والتقدير وجعلنا لكم معايش ومن لستم له برازقين وعلى هذا القول ففيه احتمالات ثلاثة
الاحتمال الأول أن كلمة ( من ) مختصة بالعقلاء فوجب أن يكون المراد من قوله وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ العقلاء وهم العيال والمماليك والخدم والعبيد وتقرير الكلام أن الناس يظنون في أكثر الأمر أنهم الذين يرزقون العيال والخدم والعبيد وذلك خطأ فإن الله هو الرزاق يرزق الخادم والمخدوم والمملوك والمالك فإنه لولا أنه تعالى خلق الأطعمة والأشربة وأعطى القوة الغاذية والهاضمة وإلا لم يحصل لأحد رزق
والاحتمال الثاني وهو قول الكلبي قال المراد بقوله وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ الوحش والطير
فإن قيل كيف يصح هذا التأويل مع أن صيغة من مختصة بمن يعقل
قلنا الجواب عنه من وجهين الأول أن صيغة من قد وردت في غير العقلاء والدليل عليه قوله تعالى وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّة ٍ مّن مَّاء فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَى بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَى أَرْبَعٍ ( النور ٤٥ ) والثاني أنه تعالى أثبت لجميع الدواب رزقاً على الله حيث قال وَمَا مِن دَابَّة ٍ فِي الاْرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ( هود ٦ ) فكأنها عند الحاجة تطلب أرزاقها من خالقها فصارت شبيهة بمن يعقل من هذه الجهة فلم يبعد ذكرها بصيغة من يعقل ألا ترى أنه قال نَمْلَة ٌ يأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ ( النحل ١٨ ) فذكرها بصيغة جمع العقلاء وقال في الأصنام فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِى ( الشعراء ٧٧ ) وقال كُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ( الأنبياء ٣٣ ) فكذا ههنا لا يبعد إطلاق اللفظة المختصة بالعقلاء على الوحش والطير لكونها شبيهة بالعقلاء من هذه الجهة وسمعت في بطن الحكايات أنه قلت المياه في الأودية والجبال واشتد الحر في عام من الأعوام فحكى عن بعضهم أنه رأى بعض الوحش رافعاً رأسه إلى السماء عند اشتداد عطشه قال فرأيت الغيوم قد أقبلت وأمطرت بحيث امتلأت الأودية منها
والاحتمال الثالث أنا نحمل قوله وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ على الإماء والعبيد وعلى الوحش والطير وإنما أطلق عليها صيغة من تغليباً لجانب العقلاء على غيرهم
المسألة الثانية قوله وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ لا يجوز أن يكون مجروراً عطفاً على الضمير المجرور