يقبح أن يؤمر بالسجود للأدون فالكلام الأول إشارة إلى الفرق الحاصل بسبب البشرية والروحانية وهو فرق حاصل في الحال والكلام الثاني إشارة إلى الفرق الحاصل بحسب العنصر والأصل فهذا مجموع شبهة إبليس وقوله تعالى قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ فهذا ليس جواباً عن تلك الشبهة على سبيل التصريح ولكنه جواب عنها على سبيل التنبيه وتقريره أن الذي قاله الله تعالى نص والذي قاله إبليس قياس ومن عارض النص بالقياس كان رجيماً ملعوناً وتمام الكلام في هذا المعنى ذكرناه مستقصى في سورة الأعراف وقوله فَاخْرُجْ مِنْهَا قيل المراد من جنة عدن وقيل من السموات وقيل من زمرة الملائكة وتمام هذا الكلام مع تفسير الرجيم قد سبق ذكره في سورة الأعراف وقوله وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَة َ إِلَى يَوْمِ الدّينِ قال ابن عباس يريد يوم الجزاء حيث يجازي العباد بأعمالهم مثل قوله مَالِكِ يَوْمِ الدّينِ ( الفاتحة ٤ )
فإن قيل كلمة ( إلى ) تفيد انتهاء الغاية فهذا يشعر بأن اللعن لا يحصل إلا إلى يوم القيامة وعند قيام القيامة يزول اللعن
أجابوا عنه من وجوه الأول المراد منه التأبيد وذكر القيامة أبعد غاية يذكرها الناس في كلامهم كقولهم مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ( هود ١٠٧ ) في التأبيد والثاني أنك مذموم مدعو عليك باللعنة في السموات والأرض إلى يوم الدين من غير أن يعذب فإذا جاء ذلك اليوم عذب عذاباً ينسى اللعن معه فيصير اللعن حينئذ كالزائل بسبب أن شدة العذاب تذهل عنه
قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِى إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِى الأرض وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَى َّ مُسْتَقِيمٌ
في الآية مسائل
المسألة الأولى قوله فَأَنظِرْنِى متعلق بما تقدم والتقدير إذا جعلتني رجيماً ملعوناً إلى يوم الدين فأنظرني فطلب الإبقاء من الله تعالى عند اليأس من الآخرة إلى وقت قيام القيامة لأن قوله إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ المراد منه يوم البعث والنشور وهو يوم القايمة وقوله فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ اعلم أن إبليس استنظر إلى يوم البعث والقيامة وغرضه منه أن لا يموت لأنه إذا كان لا يموت قبل يوم القيامة وظاهره أن بعد قيام القيامة لا يموت أحد فحينئذ يلزم منه أن لا يموت ألبتة ثم إنه تعالى منعه عن هذا المطلوب وقال إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ واختلفوا في المراد منه على وجوه أحدها أن المراد من يوم الوقت المعلوم وقت النفخة الأولى حين يموت كل الخلائق وإنما سمي هذا الوقت بالوقت المعلوم لأن من المعلوم أن يموت كل الخلائق فيه وقيل إنما سماه الله تعالى بهذا الاسم


الصفحة التالية
Icon