الجواب عن السؤال الثاني
وأما السؤال الثالث وهو أن إعلامه بأنه يموت على الكفر يحمله على الجرأة على المعاصي والإكثار منها فجوابه أن هذا إنما يلزم إذا كان علم إبليس بموته على الكفر يحمله على الزيادة في المعاصي أما إذا علم الله تعالى من حاله أن ذلك لايوجب التفاوت ألبتة فالسؤال زائل وهذا بعينه هو الجواب عن السؤال الرابع
وأما السؤال الخامس وهو أن إبليس صرح بأن الله تعالى أغواه وأضله عن الدين فقد أجابوا عنه بأنه ليس المراد ذلك بل فيه وجوه أخرى أحدها المراد بما خيبتني من رحمتك لأخيبنهم بالدعاء إلى معصيتك وثانيها المراد كما أضللتني عن طريق الجنة أضلهم أنا أيضاً عنه بالدعاء إلى المعصية وثالثها أن يكون المراد بالإغواء الأول الخيبة وبالثاني الإضلال ورابعها أن المراد بإغواء الله تعالى إياه هو أنه أمره بالسجود لآدم فأفضى ذلك إلى غيه يعني أنه حصل ذلك الغي عقيبه باختيار إبليس فأما أن يقال إن ذلك الأمر صار موجباً لذاته لحصول ذلك الغي فمعلوم أنه ليس الأمر كذلك هذا جملة كلام القوم في هذا الباب وكله ضعيف أما قوله إنه لا يتفاوت الحال بسبب وسوسة إبليس فنقول هذا باطل ويدل عليه القرآن والبرهان أما القرآن فقوله تعالى فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ ( البقرة ٣٦ ) فأضاف تلك الزلة إلى الشيطان وقال فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّة ِ فَتَشْقَى ( طه ١١٧ ) فأضاف الإخراج إليه وقال موسى عليه السلام هَاذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ( القصص ١٥ ) وكل ذلك يدل على أن لعمل الشيطان في تلك الأفعال أثراً وأما البرهان فلأن بداية العقول شاهدة بأنه ليس حال من ابتلى بمجالسة شخص يرغبه أبداً في القبائح وينفره عن الخيرات مثل شخص كان حاله بالضد منه والعلم بهذا التفاوت ضروري وأما قوله إن وجوده يصير سبباً لزيادة المشقة في الطاعة فنقول تأثير زيادة المشقة إنما هو في كثرة الثواب على أحد التقديرين وفي الإلقاء في العذاب الشديد على التقدير الثاني وهو التقدير الأكثر الأغلب وكل من يراعي المصالح فإن رعاية هذا التقدير الثاني أولى عنده من رعاية التقدير الأول لأن دفع الضرر العظيم أولى من السعي في طلب النفع الزائد الذي لا حاجة إلى حصوله أصلاً ولما اندفع هذان الجوابان عن هذا السؤال قويت سائر الوجوه المذكورة وأما قوله المراد من قوله رَبّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى الخيبة عن الرحمة أو الإضلال عن طريق الجنة فنقول كل هذا بعيد لأنه هو الذي خيب نفسه عن الرحمة وهو الذي أضل نفسه عن طريق الجنة لأنه لما أقدم على الكفر باختياره فقد خيب نفسه عن الرحمة وأضل نفسه عن طريق الجنة فكيف يحسن إضافته إلى الله تعالى فثبت أن الإشكالات لازمة وأن أجوبتهم ضعيفة والله أعلم
وأما قوله إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ففيه مسائل
المسألة الأولى اعلم أن إبليس استثنى المخلصين لأنه علم أن كيده لا يعمل فيهم ولا يقبلون منه وذكرت في مجلس التذكير أن الذي حمل إبليس على ذكر هذا الإستثناء أن لا يصير كاذباً في دعواه فلما احترز إبليس عن الكذب علمنا أن الكذب في غاية الخساسة
المسألة الثانية قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو الْمُخْلَصِينَ بكسر اللام في كل القرآن والباقون بفتح اللام وجه القراءة الأولى أنهم الذين أخلصوا دينهم وعبادتهم عن كل شائب يناقض الإيمان والتوحيد