واعلم أن للثواب أربع شرائط وهي أن تكون منافع مقرونة بالتعظيم خالصة عن الشوائب دائمة
أما القيد الأول وهو كونها منفعة فإليه الإشارة بقوله إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
وأما القيد الثاني وهو كونها مقرونة بالتعظيم فإليه الإشارة بقوله ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ءامِنِينَ لأن الله سبحانه إذا قال لعبيده هذا الكلام أشعر ذلك بنهاية التعظيم وغاية الإجلال
وأما القيد الثالث وهو كون تلك المنافع خالصة عن شوائب الضرر فاعلم أن المضار إما أن تكون روحانية وإما أن تكون جسمانية أما المضار الروحانية فهي الحقد والحسد والغل والغضب وأما المضار الجسمانية فكالإعياء والتعب فقوله وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ إشارة إلى نفي المضار الروحانية وقوله لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ إشارة إلى نفي المضار الجسمانية
وأما القيد الرابع وهو كون تلك المنافع دائمة آمنة من الزوال فإليه الإشارة بقوله وَمَا هُمْ مّنْهَا بِمُخْرَجِينَ فهذا ترتيب حسن معقول بناء على القيود الأربعة المعتبرة في ماهية الثواب ولحكماء الإسلام في هذه الآية مقال فإنهم قالوا المراد من قوله وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إشارة إلى أن الأرواح القدسية النطقية نقية مطهرة عن علائق القوى الشهوانية والغضبية مبرأة عن حوادث الوهم والخيال وقوله إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ معناه أن تلك النفوس لما صارت صافية عن كدورات عالم الأجسام ونوازع الخيال والأوهام ووقع عليها أنوار عالم الكبرياء والجلال فأشرقت بتلك الأنوار الإلهية وتلألأت بتلك الأضواء الصمدية فكل نور فاض على واحد منها انعكس منه على الآخر مثل المزايا المتقابلة المتحاذية فلكونها بهذه الصفة وقع التعبير عنها بقوله إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ والله أعلم
نَبِّى ءْ عِبَادِى أَنِّى أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ الْعَذَابُ الاٌّ لِيمُ
في الآية مسألتان
المسألة الأولى أثبتت الهمزة الساكنة في ( نبىء ) صورة وما أثبتت في قوله دِفْء لأن ما قبلها ساكن فهي تحذف كثيراً وتلقى حركتها على الساكن قبلها ف ( نبىء ) في الخط على تحقيق الهمزة وليس قبل همزة ( نبىء ) ساكن فاجرؤها على قياس الأصل
المسألة الثانية اعلم أن عباد الله قسمان منهم من يكون متقياً ومنهم من لا يكون كذلك فلما ذكر الله تعالى أحوال المتقين في الآية المتقدمة ذكر أحوال غير المتقين في هذه الآية فقال بِمُخْرَجِينَ نَبّىء عِبَادِى
واعلم أنه ثبت في أصول الفقه أن ترتيب الحكم على الوصف المناسب مشعر بكون ذلك الوصف علة لذلك الحكم فههنا وصفهم بكونهم عباداً له ثم أثبت عقيب ذكر هذا الوصف الحكم بكونه غفوراً رحيماً فهذا يدل على أن كل من اعترف بالعبودية ظهر في حقه كونه الله غفوراً رحيماً ومن أنكر ذلك كان مستوجباً للعقاب الأليم وفي الآية لطائف أحدها أنه أضاف العباد إلى نفسه بقوله عِبَادِى وهذا تشيف عظيم ألا ترى أنه لما أراد أن يشرف محمداً ( ﷺ ) ليلة المعراج لم يزد على قوله سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ