السابع قال الزجاج سميت الفاتحة بالمثاني لاشتمالها على الثناء على الله تعالى وهو حمد الله وتوحيده وملكه
واعلم أنا إذا حملنا قوله سَبْعًا مّنَ الْمَثَانِي على سورة الفاتحة فههنا أحكام
الحكم الأول
نقل القاضي عن أبي بكر الأصم أنه قال كان ابن مسعود يكتب في مصحفه فاتحة الكتاب رأى أنها ليست من القرآن وأقول لعل حجته فيه أن السبع المثاني لما ثبت أنه هو الفاتحة ثم إنه تعالى عطف السبع المثاني على القرآن والمعطوف مغاير للمعطوف عليه وجب أن يكون السبع المثاني غير القرآن إلا أن هذا يشكل بقوله تعالى وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح الأحزاب ٧ وكذلك قوله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل البقرة ٩٨ وللخصم أن يجيب بأنه لا يبعد أن يذكر الكل ثم يعطف عليه ذكر بعض أجزائه وأقسامه لكونه أشرف الأقسام أما إذا ذكر شيء ثم عطف عليه شيء آخر كان المذكور أولا مغايرا للمذكور ثانيا وههنا ذكر السبع المثاني ثم عطف عليه القرآن العظيم فوجب حصول المغايرة
والجواب الصحيح أن بعض الشيء مغاير لمجموعه فلم لا يكفي هذا القدر من المغايرة في حسن العطف والله أعلم
الحكم الثاني
أنه لما كان المراد بقوله سبعا من المثاني هو الفاتحة دل على أن هذه السورة أفضل سور القرآن من وجهين أحدهما أن إفرادها بالذكر مع كونها جزءا من أجزاء القرآن لا بد وأن يكون لاختصاصها بمزيد الشرف والفضيلة ولاثاني أنه تعالى لما أنزلها مرتين دل ذلك على زيادة فضلها وشرفها
وإذا ثبت هذا فنقول لما رأينا أن رسول الله ( ﷺ ) واظب على قراءتها في جميع الصلوات طول عمره وما أقام سورة أخرى مقامها في شيء من الصلوات دل ذلك على أنه يجب على المكلف أن يقرأها في صلاته وأن لا يقيم سائر آيات القرآن مقامها وأن يحترز عن هذا الإبدال فإن فيه خطرا عظيما والله أعلم
القول الثاني في تفسير قوله سبعا من المثاني أنها السبع الطوال وهذا قول ابن عمر وسعيد بن جبير في بعض الروايات ومجاهد وهي البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة معا قالوا وسميت هذه السور مثاني لأن الفرائض والحدود والأمثال والعبر ثنيت فيها وأنكر الربيع هذا القول وقال هذه الآية مكية وأكثر هذه السور السبعة مدنية وما نزل شيء منها في مكة فكيف يمكن حمل هذه الآية عليها
وأجاب قوم عن هذا الإشكال بأن الله تعالى أنزل القرآن كله إلى السماء الدنيا ثم أنزله على نبيه منها نجوما فلما أنزله إلى السماء الدنيا وحكم بإنزاله عليه فهو من جملة ما آتاه وإن لم ينزل عليه بعد
ولقائل أن يقول إنه تعالى قال ولقد آتيناك سبعا من المثاني وهذا الكلام إنما يصدق إذا وصل ذلك الشيء إلى محمد ( ﷺ ) فأما الذي أنزله إلى السماء الدنيا وهو لم يصل بعد إلى محمد عليه السلام فهذا الكلام لا يصدق فيه وأما قوله بأنه لما حكم الله تعالى بإنزاله على محمد ( ﷺ ) كان ذلك جاريا مجرى ما نزل


الصفحة التالية
Icon