الحسن وأما الحذف فهو أن يقال الكاف زائدة محذوفة والتقدير إني أنا النذير المبين ما أنزلناه على المقتسمين وزيادة الكاف له نظير وهو قوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَى ْء ( الشورى ١١ ) والتقدير ليس مثله شيء وقال بعضهم لا حاجة إلى الإضمار والحذف والتقدير إني أنا النذير أي أنذر قريشاً مثل ما أنزلنا من العذاب على المقتسمين وقوله الَّذِينَ جَعَلُواْ الْقُرْءانَ عِضِينَ فيه بحثان
البحث الأول في هذا اللفظ قولان الأول أنه صفة للمقتسمين والثاني أنه مبتدأ وخبره هو قوله لَنَسْئَلَنَّهُمْ وهو قول ابن زيد
البحث الثاني ذكر أهل اللغة في واحد عضين قولين
القول الأول أن واحدها عضة مثل عزة وبرة وثبة وأصلها عضوة من عضيت الشيء إذا فرقته وكل قطعة عضة وهي مما نقص منها واو هي لام الفعل والتعضية التجزئة والتفريق يقال عضيت الجزور والشاة تعضية إذا جعلتها أعضاء وقسمتها وفي الحديث ( لا تعضية في ميراث إلا فيما احتمل القسمة ) أي لا تجزئه فيما لا يحتمل القسمة كالجوهرة والسيف فقوله جَعَلُواْ الْقُرْءانَ عِضِينَ يريد جزؤه أجزاء فقالوا سحر وشعر وأساطير الأولين ومفترى
والقول الثاني أن واحدها عضة وأصلها عضهة فاستثقلوا الجمع بين هاءين فقالوا عضة كما قالوا شفة والأصل شفهة بدليل قولهم شافهت مشافهة وسنة وأصلها سنهة في بعض الأقوال وهو مأخوذ من العضة بمعنى الكذب ومنه الحديث ( إياكم والعضة ) وقال ابن السكيت العضة بأن يعضه الإنسان ويقول فيه ما ليس فيه وهذا قول الخليل فيما روى الليث عنه فعلى هذا القول معنى قوله تعالى جَعَلُواْ الْقُرْءانَ عِضِينَ أي جعلوه مفترى وجمعت العضة جمع ما يعقل لما لحقها من الحذف فجعل الجمع بالواو والنون عوضاً مما لحقها من الحذف
فَوَرَبِّكَ لَنَسْألَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِءِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلاهًا ءَاخَرَ فَسَوْفَ يَعْمَلُونَ
في الآية مسائل
المسألة الأولى قوله فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ يحتمل أن يكون راجعاً إلى المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين لأن عود الضمير إلى الأقرب أولى ويكون التقدير أنه تعالى أقسم بنفسه أن يسأل هؤلاء المقتسمين عما كانوا يقولونه من اقتسام القرآن وعن سائر المعاصي ويحتمل أن يكون راجعاً إلى جميع المكلفين لأن ذكرهم قد تقدم في قوله وَقُلْ إِنّى أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ ( الحجر ٨٩ ) أي لجميع الخلق وقد تقدم ذكر المؤمنين وذكر الكافرين فيعود قوله فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ على الكل ولا معنى لقول من يقول إن