وقوله وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ( الذاريات ٥٦ ) والكلام فيه معلوم
المسألة الرابعة لقائل أن يقول لما كان معنى الآية أنه تعالى خلق الخيل والبغال والحمير لتركبوها وليجعلها زينة لكم فلم ترك هذه العبارة
وجوابه أنه تعالى لو ذكر هذا الكلام بهذه العبارة لصار المعنى أن التزين بها أحد الأمور المعتبرة في المقصود وذلك غير جائز لأن التزين بالشيء يورث العجب والتيه والتكبر وهذه أخلاق مذمومة والله تعالى نهى عنها وزجر عنها فكيف يقول إني خلقت هذه الحيوانات لتحصيل هذه المعاني بل قال خلقها لتركبوها فتدفعوا عن أنفسكم بواسطتها ضرر الإعياء والمشقة وأما التزين بها فهو حاصل في نفس الأمر ولكنه غير مقصود بالذات فهذا هو الفائدة في اختيار هذه العبارة
أو اعلم أنه تعالى لما ذكر أولاً أحوال الحيوانات التي ينتفع الإنسان بها انتفاعاً ضرورياً وثانياً أحوال الحيوانات التي ينتفع الإنسان بها انتفاعاً غير ضروري بقي القسم الثالث من الحيوانات وهي الأشياء التي لا ينتفع الإنسان بها في الغالب فذكرها على سبيل الإجمال فقال وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وذلك لأن أنواعها وأصنافها وأقسامها كثيرة خارجة عن الحد والإحصاء ولو خاض الإنسان في شرح عجائب أحوالها لكان المذكور بعد كتبة المجلدات الكثيرة كالقطرة في البحر فكان أحس الأحوال ذكرها على سبيل الإجمال كما ذكر الله تعالى في هذه الآية وروى عطاء ومقاتل والضحاك عن ابن عباس أنه قال إن على يمين العرش نهراً من نور مثل السموات السبع والأرضين السبع والبحار السبعة يدخل فيه جبريل عليه السلام كل سحر ويغتسل فيزداد نوراً إلى نوره وجمالاً إلى جماله ثم ينتفض فيخلق الله من كل نقطة تقع من ريشه كذا وكذا ألف ملك يدخل منهم كل يوم سبعون ألفاً البيت المعمور وفي الكعبة أيضاً سبعون ألفاً ثم لا يعودون إليه إلى أن تقوم الساعة
وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ
اعلم أنه تعالى لما شرح دلائل التوحيد قال وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ أي إنما ذكرت هذه الدلائل وشرحتها إزاحة للعذر وإزالة للعلة ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيى عن بينة وفي الآية مسائل
المسألة الأولى قال الواحدي القصد استقامة الطريق يقال طريق قصد وقاصد إذا أداك إلى مطلوبك إذا عرفت هذا ففي الآية حذف والتقدير وعلى الله بيان قصد السبيل ثم قال وَمِنْهَا جَائِرٌ أي عادل مائل ومعنى الجور في اللغة الميل عن الحق والكناية في قوله وَمِنْهَا جَائِرٌ تعود على السبيل وهي مؤنثة في لغة الحجاز يعني ومن السبيل ما هو جائر غير قاصد للحق وهو أنواع الكفر والضلال والله أعلم
المسألة الثانية قالت المعتزلة دلت الآية على أنه يجب على الله تعالى الإرشاد والهداية إلى الدين


الصفحة التالية
Icon