وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
في الآية مسائل
المسألة الأولى اعلم أنه تعالى لما ذكر في أول السورة كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ( إبراهيم ١ ) كان هذا إنعاماً على الرسول من حيث إنه فوض إليه هذا المنصب العظيم وإنعاماً أيضاً على الخلق من حيث إنه أرسل إليهم من خلصهم من ظلمات الكفر وأرشدهم إلى نور الإيمان فذكر في هذه الآية ما يجري مجرى تكميل النعمة والإحسان في الوجهين أما بالنسبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فلأنه تعالى بين أن سائر الأنبياء كانوا مبعوثين إلى قومهم خاصة وأما أنت يا محمد فمبعوث إلى عامة الخلق فكان هذا الإنعام في حقك أفضل وأكمل وأما بالنسبة إلى عامة الخلق فهو أنه تعالى ذكر أنه ما بعث رسولاً إلى قوم إلا بلسان أولئك القوم فإنه متى كان الأمر كذلك كان فهمهم لأسرار تلك الشريعة ووقوفهم على حقائقها أسهل وعن الغلط والخطأ أبعد فهذا هو وجه النظم
المسألة الثانية احتج بعض الناس بهذه الآية على أن اللغات اصطلاحية لا توفيقية قال لأن التوقيف لا يحصل إلا بإرسال الرسل وقد دلت هذه الآية على أن إرسال جميع الرسل لا يكون إلا بلغة قومهم وذلك يقتضي تقدم حصول اللغات على إرسال الرسل وإذا كان كذلك امتنع حصول تلك اللغات بالتوقيف فوجب حصولها بالإصطلاح
المسألة الثالثة زعم طائفة من اليهود يقال لهم العيسوية أن محمداً رسول الله لكن إلى العرب لا إلى سائر الطوائف وتمسكوا بهذه الآية من وجهين الأول أن القرآن لما كان نازلاً بلغة العرب لم يعرف كونه معجزة بسبب ما فيه من الفصاحة إلا العرب وحينئذ لا يكون القرآن حجة إلا على العرب ومن لا يكون عربياً لم يكن القرآن حجة عليه الثاني قالوا إن قوله وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ( إبراهيم ٤ ) المراد بذلك اللسان لسان العرب وذلك يقتضي أن يقال إنه ليس له قوم سوى العرب وذلك يدل على أنه مبعوث إلى العرب فقط
والجواب لم لا يجوز أن يكون المراد من قَوْمِهِ أهل بلده وليس المراد من قَوْمِهِ أهل دعوته والدليل على عموم الدعوة قوله تعالى قُلْ ياأَهْلَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ( الأعراف ١٥٨ ) بل إلى الثقلين لأن التحدي كما وقع مع الإنس فقد وقع مع الجن بدليل قوله تعالى قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَاذَا الْقُرْءانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ( الإسراء ٨٨ )
المسألة الرابعة تمسك أصحابنا بقوله تعالى فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء على أن الضلال والهداية من الله تعالى والآية صريحة في هذا المعنى قال الأصحاب ومما يؤكد هذا المعنى ما روي أن


الصفحة التالية
Icon