عن تلك الدعوى وهذه المرتبة الثانية أنهم صرحوا بكونهم كافرين بتلك البعثة
والنوع الثالث قولهم وَإِنَّا لَفِى شَكّ مّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ قال صاحب ( الكشاف ) وقرىء تَدْعُونَا بادغام النون مُرِيبٍ موقع في الريبة أو ذي ريبة من أرابه والريبة قلق النفس وأن لا تطمئن إلى الأمر
فإن قيل لما ذكروا في المرتبة الثانية أنهم كافرون برسالتهم كيف ذكروا بعد ذلك كونهم شاكين مرتابين في صحة قولهم
قلنا كأنهم قالوا إما أن نكون كافرين برسالتكم أو أن ندع هذا الجزم واليقين فلا أقل من أن نكون شاكين مرتابين في صحة نبوتكم وعلى التقديرين فلا سبيل إلى الاعتراف بنبوتكم والله أعلم
قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ والأرض يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
اعلم أن أولئك الكفار لما قالوا للرسل وَإِنَّا لَفِى شَكّ مّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ( إبراهيم ٩ ) قالت رسلهم وهل تشكون في الله وفي كونه فاطر السموات والأرض وفاطراً لأنفسنا وأرواحنا وأرزاقنا وجميع مصالحنا وإنا لا ندعوكم إلا إلى عبادة هذا الإله المنعم ولا نمنعكم إلا عن عبادة غيره وهذه المعاني يشهد صريح العقل بصحتها فكيف قلتم وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب وهذا النظم في غاية الحسن وفي الآية مسائل
المسألة الأولى قوله أَفِى اللَّهِ شَكٌّ استفهام على سبيل الإنكار فلما ذكر هذا المعنى أردفه بالدلالة الدالة على وجود الصانع المختار وهو قوله فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ وقد ذكرنا في هذا الكتاب أن وجود السموات والأرض كيف يدل على احتياجه إلى الصانع المختار الحكيم مراراً وأطواراً فلا نعيدها ههنا
المسألة الثانية قال صاحب ( الكشاف ) أدخلت همزة الإنكار على الظرف لأن الكلام ليس في الشك إنما هو في أن وجود الله تعالى لا يحتمل الشك وأقول من الناس من ذهب إلى أنه قبل الوقوف على الدلائل الدقيقة فالفطرة شاهدة بوجود الصانع المختار ويدل على أن الفطرة الأولية شاهدة بذلك وجوه
الوجه الأول قال بعض العقلاء إن من لطم على وجه صبي لطمة فتلك اللطمة تدل على وجوب الصانع وعلى حصول التكليف وعلى وجوب دار الجزاء وعلى وجوب النبي أما دلالتها على وجود


الصفحة التالية
Icon