الجواب ( قوله المشكاة والسجيل ليستا من لغة العرب ) قلنا عنه جوابان أحدهما أن كل ذلك عربي لكنه موافق لسائر اللغات وقد يتفق مثل ذلك في اللغتين الثاني أن المسمى بهذه الأسماء لم يوجد أولاً في بلاد العرب فلما عرفوه عرفوا منها أسماءها فتكلموا بتلك الأسماء فصارت تلك الألفاظ عربية أيضاً
قوله ( وجد أن المجمل في كتاب الله لا يقدح في كونه بياناً ) قلنا كل مجمل وجد في كتاب الله تعالى قد وجد في العقل أو في الكتاب أو في السنة بيانه وحينئذٍ يخرج عن كونه غير مفيد إنما البيان فيما لا يمكن معرفة مراد الله منه
وقوله ( لم لا يجوز أن يكون المقصود من ذكر هذه الألفاظ إسكاتهم عن الشغب ) قلنا لو جاز ذكر هذه الألفاظ لهذاالغرض فليجز ذكر سائر الهذيانات لمثل هذا الغرض وهو بالإجماع باطل
وأما سائر الوجوه التي ذكروها فقد بينا أن قولنا ( آلم ) غير موضوع في لغة العرب لإفادة تلك المعاني فلا يجوز استعمالها فيه لأن القرآن إنما نزل بلغة العرب ولأنها متعارضة فليس حمل اللفظ على بعضها أولى من البعض ولأنا لو فتحنا هذا الباب لانفتحت أبواب تأويلات الباطنية وسائر الهذيانات وذلك مما لا سبيل إليه
أما الجواب عن المعارضة الأولى فهو أن لا يبعد أن يكون في تسمية السور الكثيرة باسم واحد ثم يميز كل واحد منها عن الآخر بعلامة أخرى حكمة خفية
وعن الثاني أن تسمية السورة بلفظة معينة ليست من الأمور العظام فجاز أن لا يبلغ في الشهرة إلى حد التواتر
وعن الثالث أن التسمية بثلاثة أسماء خروج عن كلام العرب إذا جعلت اسماً واحداً على طريقة ( حضرموت ) فأما غير مركبة بل صورة نثر أسماء الأعداد فذاك جائز فإن سيبويه نص على جواز التسمية بالجملة والبيت من الشعر والتسمية بطائفة من أسماء حروف المعجم
وعن الرابع أنه لا يبعد أن يصير اللقب أكثر شهرة من الاسم الأصلي فكذا ههنا
وعن الخامس أن الاسم لفظ دال على أمر مستقل بنفسه من غير دلالة على زمانه المعين ولفظ الاسم كذلك فيكون الاسم اسماً لنفسه فإذا جاز ذلك فلم لا يجوز أن يكون جزء الشيء اسماً له
وعن السادس أن وضع الاسم إنما يكون بحسب الحكمة ولا يبعد أن تقتضي الحكمة وضع الاسم لبعض السور دون البعض على أن القول الحق أنه تعالى يفعل ما يشاء فهذا منتهى الكلام في نصرة هذه الطريقة
واعلم أن بعد هذا المذهب الذي نصرناه بالأقوال التي حكيناها قول قطرب من أن المشركين قال بعضهم لبعض ( لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ) فكان إذا تكلم رسول الله ( ﷺ ) في أول هذه السورة بهذه الألفاظ ما فهموا منها شيئاً والإنسان حريص على ما منع فكانوا يصغون إلى القرآن ويتفكرون ويتدبرون في مقاطعه ومطالعه رجاء أنه ربما جاء كلام يفسر ذلك المبهم ويوضح ذلك المشكل فصار ذلك وسيلة إلى أن يصيروا مستمعين للقرآن ومتدبرين في مطالعه ومقاطعه والذي يؤكد هذا المذهب أمران أحدهما أن هذه الحروف ما جاءت إلا في أوائل السور وذلك يوهم أن الغرض ما ذكرنا والثاني أن


الصفحة التالية
Icon