وثالثها أن ما يضاف إلى العبد فالله تعالى هو الخالق له فتحديه تعالى لهم يعود في التحقيق إلى أنه متحد لنفسه وهو قادر على مثله من غير شك فيجب أن لا يثبت الإعجاز على هذا القول ورابعها أن المعجز إنما يدل بما فيه من نقض العادة فإذا كان قولهم إن المعتاد أيضاً ليس بفعل لم يثبت هذا الفرق فلا يصح الاستدلال بالمعجز وخامسها أن الرسول ( ﷺ ) يحتج بأنه تعالى خصه بذلك تصديقاً له فيما ادعاه ولو لم يكن ذلك من قبله تعالى لم يكن داخلاً في الإعجاز وعلى قولهم بالجبر لا يصح هذا الفرق لأن المعتاد وغير المعتاد لا يكون إلا من قبله والجواب أن المطلوب من التحدي إما أن يأتي الخصم بالمتحدى به قصداً أو أن يقع ذلك منه اتفاقاً والثاني باطل لأن الاتفاقيات لا تكون في وسعه فثبت الأول وإذا كان كذلك ثبت أن إتيانه بالتحدي موقوف على أن يحصل في قلبه قصد إليه فذلك القصد إن كان منه لزم التسلسل وهو محال وإن كان من الله تعالى فحينئذٍ يعود الجبر ويلزمه كل ما أورده علينا فيبطل كل ما قال
أما قوله تعالى فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فاعلم أن هذه الآية دالة على المعجز من وجوه أربعة أحدها أنا نعلم بالتواتر أن العرب كانوا في غاية العداوة لرسول الله ( ﷺ ) وفي غاية الحرص على إبطال أمره لأن مفارقة الأوطان والعشيرة وبذل النفوس والمهج من أقوى ما يدل على ذلك فإذا انضاف إليه مثل هذا التقريع وهو قوله تعالى فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فلو كان في وسعهم وإمكانهم الإتيان بمثل القرآن أو بمثل سورة منه لأتوا به فحيث ما أتوا به ظهر المعجز وثانيها وهو أنه عليه السلام وإن كان متهماً عندهم فيما يتصل بالنبوة فقد كان معلوم الحال في وفور العقل والفضل والمعرفة بالعواقب فلو تطرقت التهمة إلى ما ادعاه من النبوة لما استجاز أن يتحداهم ويبلغ في التحدي إلى نهايته بل كان يكون وجلاً خائفاً مما يتوقعه من فضيحة يعود وبالها على جميع أموره حاشاه من ذلك ( ﷺ ) فلولا معرفته بالاضطرار من حالهم أنهم عاجزون عن المعارضة لما جوز من نفسه أن يحملهم على المعارضة بأبلغ الطرق وثالثها أنه عليه السلام لو لم يكن قاطعاً بصحة نبوته لما قطع في الخبر بأنهم لا يأتون بمثله لأنه إذا لم يكن قاطعاً بصحة نبوته كان يجوز خلافه وبتقدير وقوع خلافه يظهر كذبه فالمبطل المزور البتة لا يقطع في الكلام ولا يجزم به فلما جزم دل على أنه عليه الصلاة والسلام كان قاطعاً في أمره ورابعها أنه وجد مخبر هذا الخبر على ذلك الوجه لأن من أيامه عليه الصلاة والسلام إلى عصرنا هذا لم يخل وقت من الأوقات ممن يعادي الدين والإسلام وتشتد دواعيه في الوقيعة فيه ثم إنه مع هذا الحرص الشديد لم توجد المعارضة قط فهذه الوجوه الأربعة في الدلالة على المعجز مما تشتمل عليها هذه الآية وذلك يدل على فساد قول الجهال الذين يقولون إن كتاب الله لا يشتمل على الحجة والاستدلال وههنا سؤالات السؤال الأول انتفاء إتيانهم بالسورة واجب فهلا جيء بإذا الذي للوجوب دون ( إن ) الذي للشك الجواب فيه وجهان أحدهما أن يساق القول معهم على حسب حسبانهم فإنهم كانوا بعد غير جازمين


الصفحة التالية
Icon