قاهر يقهر الطبع ويبطل الخاصية ويصعد ما من شأنه الهبوط والنزول وثانيها أن تلك الذرات المائية اجتمعت بعد تفرقها وثالثها تسييرها بالرياح ورابعها إنزالها في مظان الحاجة والأرض الجرز وكل ذلك يدل على جواز الحشر أما صعود الثقيل فلأنه قلب الطبيعة فإذا جاز ذلك فلم لا يجوز أن يظهر الحياة والرطوبة من حساوة التراب والماء والثاني لما قدر على جمع تلك الذرات المائية بعد تفرقها فلم لا يجوز جمع الأجزاء الترابية بعد تفرقها والثالث تسيير الرياح فإذا قدر على تحريك الرياح التي تضم بعض تلك الأجزاء المتجانسة إلى بعض فلم لا يجوز ههنا والرابع أنه تعالى أنشأ السحاب لحاجة الناس إليه فههنا الحاجة إلى إنشاء المكلفين مرة أخرى ليصلوا إلى ما استحقوه من الثواب والعقاب أولى واعلم أن الله تعالى عبر عن هذه الدلالة في موضع آخر من كتابه فقال في الأعراف لما ذكر دلالة التوحيد إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى إلى قوله قَرِيبٌ مّنَ الْمُحْسِنِينَ ( الأعراف ٥٦ ) ثم ذكر دليل الحشر فقال وَهُوَ الَّذِى يُرْسِلُ الرّيَاحَ إلى قوله كَذالِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( الأعراف ٥٧ ) ورابعها قوله أَفَرَءيْتُمُ النَّارَ الَّتِى تُورُونَ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ نَحْنُ وجه الاستدلال أن النار صاعدة والشجرة هابطة وأيضاً النار لطيفة والشجرة كثيفة وأيضاً النار نورانية والشجرة ظلمانية والنار حارة يابسة والشجرة باردة رطبة فإذا أمسك الله تعالى في داخل تلك الشجرة الأجزاء النورانية النارية فقد جمع بقدرته بين هذه الأشياء المتنافرة فإذا لم يعجز عن ذلك فكيف يعجز عن تركيب الحيوانات وتأليفها والله تعالى ذكر هذه الدلالة في سورة ي س فقال الَّذِى جَعَلَ لَكُم مّنَ الشَّجَرِ الاْخْضَرِ نَاراً ( ي س ٥٨ )
واعلم أنه تعالى ذكر في هذه السورة أمر الماء والنار وذكر في النمل أمر الهواء بقوله أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِى ظُلُمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ إلى قوله مِن اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ( النمل ٦٤ ) وذكر الأرض في الحج في قوله وَتَرَى الاْرْضَ هَامِدَة ً ( الحج ٥ ) فكأنه سبحانه وتعالى بين أن العناصر الأربعة على جميع أحوالها شاهدة بإمكان الحشر والنشر النوع الثاني من الدلائل الدالة على إمكان الحشر هو أنه تعالى يقول لما كنت قادراً على الإيجاد أولاً فلأن أكون قادراً على الإعادة أولى وهذه الدلالة تقريرها في العقل ظاهر وأنه تعالى ذكرها في مواضع من كتابه منها في البقرة كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْواتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( البقرة ٢٨ ) ومنها قوله في سبحان الذي وَقَالُواْ أَءذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً قُلْ كُونُواْ حِجَارَة ً ( الإسراء ٤٩ ٥٠ ) إلى قوله قُلِ الَّذِى فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّة ٍ ومنها في العنكبوت أَوَ لَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِىء اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ( العنكبوت ١٩ ) ومنها قوله في الروم وَهُوَ الَّذِى يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الاعْلَى ( الروم ٢٧ ) ومنها في ي س قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة ٍ ( ي س ٧٩ ) النوع الثالث الاستدلال باقتداره على السموات على اقتداره على الحشر وذلك في آيات منها في سورة سبحان أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ( الأَسراء ٩٩ ) وقال في ي س أَوَ لَيْسَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ( ي س ٨١ ) وقال في الأحقاف أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ وَلَمْ يَعْى َ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْى ِ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلّ شَى ْء قَدِيرٌ ( الأحقاف ٣٣ ) ومنها في سورة ق أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً إلى قوله


الصفحة التالية
Icon